البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٦٨
بمعنى : غير، على أن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «١». انتهى. ووجه البدل لا يجوز، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام. ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له؟ وإنني بريء، جملة موجبة، فلا يصلح أن يفرغ العامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا. وعن الزمخشري : كون بريء، فيه معنى الانتفاء، ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا. وأما تقديره ما نكرة موصوفة، فلم يبقها موصولة، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة. وهذه المسألة فيها خلاف. من النحويين من قال : توصف بها النكرة والمعرفة، فعلى هذا تبقى ما موصولة، ويكون إلا في موضع الصفة للمعرفة، وجعله فطرني في صلة الذي. تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالق للعباد.
فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ : أي يديم هدايتي، وفي مكان آخر : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ «٢»، فهو هاديه في المستقبل. والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم، وقيل على اللّه. والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها، وهي قوله : إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي. وقال قتادة ومجاهد والسدي : لا إله إلا اللّه، وإن لم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد : كلمة الإسلام لقوله : وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ «٣»، إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ «٤»، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ «٥». وقرأ حميد بن قيس : كلمة، بكسر الكاف وسكون اللام. وقرىء : في عقبه، بسكون القاف، أي في ذريته. وقرىء : في عاقبه، أي من عقبه، أي خلفه.
فلا يزال فيهم من يوحد اللّه ويدعو إلى توحيده. لعلهم : أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. وقرأ الجمهور : بل متعت، بتاء المتكلم، والإشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليه السلام من العرب. لما قال : فِي عَقِبِهِ، قال تعالى :
لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم في كفرهم، فليسوا ممن تعقب كلمة التوحيد فيهم. وقرأ قتادة والأعمش : بل متعت، بتاء الخطاب، ورواها يعقوب عن نافع. قال صاحب اللوامح :
وهي من مناجاة إبراهيم عليه السلام ربه تعالى. والظاهر أنه من مناجاة محمد صلى اللّه عليه وسلم، أي :

(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٢٢.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦/ ٧٨.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٢٨. [.....]
(٤) سورة البقرة : ٢/ ١٣١.
(٥) سورة الحج : ٢٢/ ٧٨.


الصفحة التالية
Icon