البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٦٧
سفيان، وأبي جهل، وعتبة، وشيبة بن أبي ربيعة من قريش، أي كما قال من قبلهم أيضا، يسلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك. والمترف : المنعم، أبطرتهم النعمة، فآثروا الشهوات، وكرهوا مشاق التكاليف. وقرأ الجمهور : قل على الأمر وابن عامر وحفص : قال على الخبر. وقرأ الجمهور : جئتكم، بتاء المتكلم وأبي جعفر، وشيبة، وابن مقسم، والزعفراني، وأبو شيخ الهنائي، وخالد : جئناكم، بنون المتكلمين. والظاهر أن الضمير في قال، أو في قل، للرسول، أي : قل يا محمد لقومك : أتتبعون آباءكم، ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم؟ وهذا تجهيل لهم، حيث يقلدون ولا ينظرون في الدلائل.
قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ، أنت والرسل قبلك. غلب الخطاب على الغيبة. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالقحط والقتل والسبي والجلاء. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ من كذبك. وقال ابن عطية في قال : ضمير يعود على النذير، وباقي الآية يدل على أن قل في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنما هي حكاية لما أمر به النذير. ولو : في هذا الموضع، كأنها شرطية بمعنى : إن، كان معنى الآية : أو إن جئتكم بأبين وأوضح مما كان عليه آباؤكم، يصحبكم لجاجكم وتقليدكم، فأجاب الكفار حينئذ من الأمم المكذبة بأنبيائها، كما كذبت بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، ولا يتعين ما قاله، بل الظاهر هو ما قدمناه.
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ : وذكر العرب بحال جدّهم الأعلى، ونهيه عن عبادة غير اللّه، وإفراده بالتوحيد والعبادة هزؤا لهم، ليكون لهم رجوع إلى دين جدهم، إذ كان أشرف آبائهم والمجمع على محبته، وأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يقلد أباه في عبادة الأصنام، فينبغي أن تقتدوا به في ترك تقليد آبائكم الأقربين، وترجعوا إلى النظر واتباع الحق. وقرأ الجمهور :
برآء، مصدر يستوي فيه المفرد والمذكر ومقابلهما، يقال : نحن البراء منك، وهي لغة العالية. وقرأ الزعفراني والقورصي، عن أبي جعفر وابن المناذري، عن نافع : بضم الباء والأعمش : برىء، وهي لغة نجد وشيخيه، ويجمع ويؤنث، وهذا نحو : طويل وطوال، وكريم وكرام. وقرأ الأعمش : إني، بنون مشددة دون نون الوقاية والجمهور : إنني، بنونين، الأولى مشددة. والظاهر أن قوله : إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي استثناء منقطع، إذ كانوا لا يعبدون اللّه مع أصنامهم. وقيل : كانوا يشركون أصنامهم معه تعالى في العبادة، فيكون استثناء متصلا. وعلى الوجهين، فالذي في موضع نصب، وإذا كان استثناء متصلا، كانت ما شاملة من يعلم ومن لا يعلم. وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجرورا بدلا من المجرور بمن، كأنه قال : إنني براء مما تعبدون، إلا من الذي. وأن تكون إلا صفة