البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٥٤
السلام : هؤلاء بناتي، إنه أراد المؤمنات، أي بناته في الدين ولذلك جاء : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «١»، أي في الدين. وعنه عليه السلام :«ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة. واقرأوا إن شئتم : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فأيما مؤمن هلك وترك مالا، فليرثه عصبته من كانوا وإن ترك دينا أو ضياعا فإلي».
قيل : وأطلق في قوله تعالى : أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ : أي في كل شيء، ولم يقيد. فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقوقه آثر، إلى غير ذلك مما يجب عليهم في حقه. انتهى. ولو أريد هذا المعنى، لكان التركيب : المؤمنون أولى بالنبي منهم بأنفسهم.
وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ : أي مثل أمهاتهم في التوقير والاحترام. وفي بعض الأحكام : من تحريم نكاحهن، وغير ذلك مما جرين فيه مجرى الأجانب. وظاهر قوله : وَأَزْواجُهُ :
كل من أطلق عليها أنها زوجة له، عليه السلام، من طلقها ومن لم يطلقها. وقيل : لا يثبت هذا الحكم لمطلقة. وقيل : من دخل بها ثبتت حرمتها قطعا. وهمّ عمر برجم امرأة فارقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ونكحت بعده، فقالت له : ولم هذا، وما ضرب علي حجابا، ولا سميت للمسلمين أما؟ فكف عنها. كان أولا بالمدينة، توارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، ثم حكم تعالى بأن أولي الأرحام أحق بالتوارث من الأخ في الإسلام، أو بالهجرة في كتاب اللّه، أي في اللوح المحفوظ، أو في القرآن من المؤمنين والمهاجرين، أي أولى من المؤمنين الذين كانوا يتوارثون بمجرد الإيمان، ومن المهاجرين الذين كانوا يتوارثون بالهجرة. وهذا هو الظاهر، فيكون من هنا كهي في : زيد أفضل من عمرو. وقال الزمخشري : يجوز أن يكون بيانا لأولي الأرحام، أي الأقرباء من هؤلاء، بعضهم أولى بأن يرث بعضا من الأجانب.
انتهى. والظاهر عموم قوله : إِلى أَوْلِيائِكُمْ، فيشمل جميع أقسامه، من قريب وأجنبي، مؤمن وكافر، يحسن إليه ويصله في حياته، ويوصي له عند الموت، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنفية. وقال مجاهد، وابن زيد، والرماني وغيره : إِلى أَوْلِيائِكُمْ، مخصوص بالمؤمنين.
وسياق ما تقدم في المؤمنين يعضد هذا، لكن ولاية النسب لا تدفع في الكافر، إنما تدفع في أن تلقي إليه بالمودة، كولي الإسلام. وهذا الاستثناء في قوله : إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا هو مما يفهم من الكلام، أي : وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في النفع بميراث وغيره. وعدى بإلى، لأن المعنى : إلا أن توصلوا إلى أوليائكم، كان ذلك إشارة إلى ما في

(١) سورة الحجرات : ٤٩/ ١٠. [.....]


الصفحة التالية
Icon