البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٥٥
الآيتين. فِي الْكِتابِ : إما اللوح، وإما القرآن، على ما تقدم. مَسْطُوراً : أي مثبتا بالأسطار، وهذه الجملة مستأنفة كالخاتمة، لما ذكر من الأحكام، ولما كان ما سبق أحكام عن اللّه تعالى، وكان فيها أشياء مما كانت في الجاهلية، وأشياء في الإسلام نسخت. أتبعه بقوله : وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ : أي في تبليغ الشرائع والدعاء إلى اللّه، فلست بدعا في تبليغك عن اللّه. والعامل في إذ، قاله الحوفي وابن عطية، يجوز أن يكون مسطورا، أي مسطورا في أم الكتاب، وحين أخذنا. وقيل : العامل : واذكر حين أخذنا، وهذا الميثاق هو في تبليغ رسالات اللّه والدعاء إلى الإيمان، ولا يمنعهم من ذلك مانع، لا من خوف ولا طمع. قال الكلبي : أخذ ميثاقهم بالتبليغ. وقال قتادة : بتصديق بعضهم بعضا، والإعلان بأن محمدا رسول اللّه، وإعلان رسول اللّه أن لا نبي بعده. وقال الزجاج وغيره : الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر، قالوا : فأخذ اللّه حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وتصديق بعضهم بعضا، وبجميع ما تضمنته النبوة. وروي نحوه عن أبيّ بن كعب، وخص هؤلاء الخمسة بالذكر بعد دخولهم في جملة النبيين. وقيل : هم أولو العزم لشرفهم وفضلهم على غيرهم. وقدم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، لكونه أفضل منهم، وأكثرهم اتباعا. وقدم نوح في آية الشورى في قوله : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً «١» الآية، لأن إيراده على خلاف. الإيراد، فهناك أورده على طريق وصف دين الإسلام بالأصالة، فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم، وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير.
والميثاق الثاني هو الأول، وكرر لأجل صفته. والغلظ : من صفة الأجسام، واستعير للمعنى مبالغا في حرمته وعظمته وثقل فرط تحمله. وقيل : الميثاق الغليظ : اليمين باللّه على الوفاء بما حمله. واللام في لِيَسْئَلَ، قيل : يحتمل أن تكون لام الصيرورة، أي أخذ الميثاق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا. والظاهر أنها لام كي، أي بعثنا الرسل وأخذنا عليهم المواثيق في التبليغ، لكي يجعل اللّه خلقه فرقتين : فرقة يسألها عن صدقها على معنى إقامة الحجة، فتجيب بأنها قد صدقت اللّه في إيمانها وجميع أفعالها، فيثيبها على ذلك وفرقة كفرت، فينالها ما أعد لها من العذاب. فالصادقون على هذا المسئولون هم : المؤمنون. والهاء في صِدْقِهِمْ عائدة عليهم، ومفعول صِدْقِهِمْ محذوف