البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٥٢
للتصوير والتجلي للمدلول عليه، كما قال تعالى : وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «١». فإذا سمع بذلك، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين يسرع إلى إنكار ذلك.
وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ : لم يجعل تعالى الزوجة المظاهر منها أما، لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوك، وهما حالتان متنافيتان. وقرأ قالون وقنبل : اللَّائِي هنا، وفي المجادلة والطلاق : بالهمز من غير ياء وورش : بياء مختلسة الكسرة والبزي وأبو عمرو : بياء ساكنة بدلا من الهمزة، وهو بدل مسموع لا مقيس، وهي لغة قريش وباقي السبعة : بالهمز وياء بعدها. وقرأ عاصم : تُظاهِرُونَ بالتاء للخطاب، وفي المجادلة : بالياء للغيبة، مضارع ظاهر وبشد الظاء والهاء : الحرميان وأبو عمرو وبشد الظاء وألف بعدها : ابن عامر وبتخفيفها والألف : حمزة والكسائي ووافق ابن عامر الآخرين في المجادلة وباقي السبعة فيها بشدها. وقرأ ابن وثاب، فيما نقل ابن عطية : بضم الياء وسكون الظاء وكسر الهاء، مضارع أظهر وفيما حكى أبو بكر الرازي عنه : بتخفيف الظاء، لحذفهم تاء المطاوعة وشد الهاء.
وقرأ الحسن : تظهرون، بضم التاء وتخفيف الظاء وشد الهاء، مضارع ظهر، مشدد الهاء.
وقرأ هارون، عن ابي عمرو : تظهرون، بفتح التاء والهاء وسكون الظاء، مضارع ظهر، مخفف الهاء، وفي مصحف أبي : تتظهرون، بتاءين. فتلك تسع قراءات، والمعنى : قال لها : أنت علي كظهر أمي. فتلك الأفعال مأخوذة من هذا اللفظ كقوله : لبى المحرم إذا قال لبيك، وأفف إذا قال أف. وعدى الفعل بمن، لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية، فيتجنبون المظاهر منها، كما يتجنبون المطلقة، والمعنى : أنه تباعد منها بجهة الظهار وغيره، أي من امرأته. لما ضمن معنى التباعد، عدى بمن، وكنوا عن البطن بالظهر إبعادا لما يقارب الفرج، ولكونهم كانوا يقولون : يحرم إتيان المرأة وظهرها للسماء، وأهل المدينة يقولون : يجيء الولد إذ ذاك أحول، فبالغوا في التغليظ في تحريم الزوجة، فشبهها بالظهر، ثم بالغ فجعلها كظهر أمه. وروي أن زيد بن حارثة من كلب سبي صغيرا، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فوهبته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وجاء أبوه وعمه بفدائه، وذلك قبل بعثة رسول اللّه، فأعتقه، وكانوا يقولون : زيد بن محمد، فنزلت.
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الآية : وكانوا في الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى