البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٩٣
ومناسبة فَآتِ ذَا الْقُرْبى لما قبله : أنه لما ذكر أنه تعالى هو الباسط القابض، وجعل في ذلك آية للمؤمن، ثم نبه بالإحسان لمن به فاقة واحتياج، لأن من الإيمان الشفقة على خلق اللّه، فخاطب من بسط له الرزق بأداء حق اللّه من المال، وصرفه إلى من يقرب منه من حج، وإلى غيره من مسكين وابن سبيل. وقال الحسن : هذا خطاب لكل سامع بصلة الرحم، وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ. وقيل : للرسول، عليه السلام. وذو القربى : بنو هاشم وبنو المطلب، يعطون حقوقهم من الغنيمة والفيء. وقال الحسن : حق المسكين وابن السبيل من الصدقة المسماة لهما. واحتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. أثبت تعالى لذي القربى حقا، وللمسكين وابن السبيل حقهما.
والسورة مكية، فالظاهر أن الحق ليس الزكاة، وإنما يصير حقا بجهة الإحسان والمواساة. وللاهتمام بذي القربى، قدم على المسكين وابن السبيل، لأن بره صدقة وصلة. ذلِكَ : أي الإيتاء، خَيْرٌ : أي يضاعف لهم الأجر في الآخرة، وينمو ما لهم في الدنيا لوجه اللّه، أي التقرب إلى رضا اللّه لا يضره. ثم ذكر تعالى من يتصرف في ماله على غير الجهة المرضية فقال : وَما آتَيْتُمْ أكلة الربو، ليزيد ويزكو في المال، فلا يزكو عند اللّه، ولا يبارك فيه لقوله : يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ «١». قال السدّي : نزلت في ربا ثقيف، كانوا يعملون بالربا، ويعمله فيهم قريش. وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وطاوس : هذه الآية نزلت في هبات، للثواب. وقال ابن عطية : وما جرى مجراهما مما يصنع للمجازاة، كالسلم وغيره، فهو وإن كان لا إثم فيه، فلا أجر فيه ولا زيادة عند اللّه. وقال ابن عباس أيضا، والنخعي : نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم، وليزيدوا في أموالهم على جهة النفع به، فذلك النفع لهم. وقال الشعبي قريبا من هذا وهو : أن ما خدم به الإنسان غيره انتفع به، فذلك النفع لهم. وقال الشعبي أيضا قريبا من هذا وهو : أن لا يربو عند اللّه، والظاهر القول الأول، وهو النهي عن الربا. وقرأ الجمهور : وَما آتَيْتُمْ، الأول بمد الهمزة، أي وما أعطيتم وابن كثير : بقصرها، أي وما جئتم. وقرأ الجمهور : ليربو، بالياء وإسناد الفعل إلى الربا وابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبو رجاء، والشعبي، ونافع، وأبو حيوة : بالتاء مضمومة، وإسناد الفعل إليهم. وقرأ أبو مالك : ليربوها، بضمير المؤنث.

(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٧٦.


الصفحة التالية
Icon