البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٩٤
والمضعف : ذو أضعاف في الأجر. قال الفراء : هم أصحاب المضاعفة، كما تقول :
هو مسمن، أي صاحب إبل سمان، ومعطش : أي صاحب إبل عطشى. وقرأ أبي :
الْمُضْعِفُونَ، بفتح العين، اسم مفعول. وقال الزمخشري : فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ، التفات حسن، كأنه قال لملائكته وخواص خلقه : فأولئك الذين يريدون وجه اللّه بصدقاتهم هم المضعفون، والمعنى : المضعفون به بدلالة أولئك هم المضعفون، والحذف لما في الكلام من الدليل عليه، وهذا أسهل مأخذا، والأول أملأ بالفائدة : انتهى.
وإنما احتاج إلى تقدير ما قدر، لأن اسم الشرط ليس بظرف، لا بد أن يكون في الجواب ضمير يعود عليه يتم به الربط.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ، فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ، مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.
كرر تعالى خطاب الكفار في أمر أوثانهم، فذكر أفعاله التي لا يمكن أن يدعى له فيها شريك، وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء، ثم استفهم على جهة التقرير لهم والتوبيخ، ثم نزه نفسه عن مقالتهم. واللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ : مبتدأ وخبر. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة للمبتدأ، والخبر : هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ وقوله : مِنْ ذلِكُمْ هو الذي ربط الجملة بالمبتدأ لأن معناه : من أفعاله. انتهى. والذي ذكره النحويون أن اسم الإشارة يكون رابطا إذا كان أشير به إلى المبتدأ. وأما ذلِكُمْ هنا فليس إشارة إلى المبتدأ، لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الربط بالمعنى، وخالفه الناس، وذلك في قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ «١»، قال : التقدير يتربصن أزواجهم، فقدر الضمير بمضاف إلى ضمير الذين، فحصل به الربط، كذلك قدر الزمخشري مِنْ ذلِكُمْ : من أفعاله المضاف إلى الضمير العائد على المبتدأ. وقال الزمخشري أيضا : هل من شركائكم الذين اتخذتموهم أندادا له من الأصنام وغيرها من يفعل شيئا قط من تلك الأفعال، حتى يصح ما ذهبتم إليه؟ فاستعمل قط في غير موضعها،

(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٤.


الصفحة التالية
Icon