البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٦١
المعنى، لا من حيث صناعة النحويين، فبين أنّ معقبة من حيث أريد به الجمع كرجال من حيث وضع للجمع، وأن معقبات من حيث استعمل جمعا لمعقبة المستعمل للجمع كرجالات الذي هو جمع رجال. وقرأ عبيد بن زياد على المنبر له المعاقب، وهي قراءة أبي وإبراهيم. وقال الزمخشري : وقرىء له معاقيب. قال أبو الفتح : هو تكسير معقب بسكون العين وكسر القاف، كمطعم ومطاعيم، ومقدم ومقاديم، وكان معقبا جمع على معاقبة، ثم جعلت الياء في معاقيب عوضا من الهاء المحذوفة في معاقبة. وقال الزمخشري : جمع معقب أو معقبة، والياء عوض من حذف أحد القافين في التكسير. وقرىء له معتقبات من اعتقب. وقرأ أبي من بين يديه، ورقيب من خلفه. وقرأ ابن عباس : ورقباء من خلفه، وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ له معقبات من خلفه، ورقيب من بين يديه. وينبغي حمل هذه القراآت على التفسير، لا أنها قرآن لمخالفتها سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون.
والظاهر أن قوله تعالى : من أمر اللّه متعلق بقوله : يحفظونه. قيل : من للسبب كقولك :
كسرته من عرى، ويكون معناها ومعنى الباء سواء، كأنه قيل : يحفظونه بأمر اللّه وبإذنه، فحفظهم إياه متسبب عن أمر اللّه لهم بذلك. قال ابن جريج : يحفظون عليه عمله، فحذف المضاف. وقال قتادة : يكتبون أقواله وأفعاله. وقراءة علي، وابن عباس، وعكرمة، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد : يحفظونه بأمر اللّه
، يؤيد تأويل السببية في من وفي هذا التأويل. قال الزمخشري : يحفظونه من أجل أمر اللّه تعالى أي : من أجل أن اللّه تعالى أمرهم بحفظه. وقال ابن عطية، وقتادة : معنى من أمر اللّه، بأمر اللّه أي : يحفظونه بما أمر اللّه، وهذا تحكم في التأويل انتهى. وليس بتحكم وورود من للسبب ثابت من لسان العرب. وقيل : يحفظونه من بأس اللّه ونقمته كقولك : حرست زيدا من الأسد، ومعنى ذلك : إذا أذن اللّه لهم في دعائهم أن يمهله رجاء أن يتوب عليه وينيب كقوله تعالى : قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ «١» يصير معنى الكلام إلى التضمين أي : يدعون له بالحفظ من نقمات اللّه رجاء توبته. ومن جعل المعقبات الحرس، وجعلها في رؤساء الكفار فيحفظونه معناه : في زعمه وتوهمه من هلاك اللّه، ويدفعون قضاءه في ظنه، وذلك لجهالته باللّه تعالى، أو يكون ذلك على معنى التهكم به، وحقيقة التهكم هو أن يخبر بشيء ظاهره مثلا الثبوت في ذلك الوصف، وفي الحقيقة هو منتصف، ولذلك حمل بعضهم يحفظونه

(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٤٢.


الصفحة التالية
Icon