البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٥٤
وقيل : ليغفر لهم بستره وإمهاله، فلا يعجل لهم العذاب مع تعجيلهم بالمعصية. قال ابن عطية : والظاهر من معنى المغفرة هنا هو ستره في الدنيا، وإمهاله للكفرة. ألا ترى التيسير في لفظ مغفرة، وأنها منكرة مقلدة وليس فيها مبالغة كما في قوله تعالى : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ «١» ومحط الآية يعطي هذا حكمه عليهم بالنار. ثم قال : ويستعجلونك، فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم، فأخبر بسيرته في الأمم، وأنه يمهل مع ظلم الكفرة انتهى. ولشديد العقاب : تخويف وارتقاب بعد ترجية. وقال سعيد بن المسيب : لما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لو لا عفو اللّه ومغفرته لما هنأ لأحد عيش، ولو لا عقابه لا تكل كل أحد»
وفي حديث آخر :«إن العبد لو علم قدر عفو اللّه لما أمسك عن ذنب، ولو علم قدر عقوبته لقمع نفسه في عبادة اللّه عز وجل».
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ :
عن ابن عباس : لما نزلت وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده على صدره فقال :«أنا منذر» وأومأ بيده إلى منكب عليّ وقال :«أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدى من بعدي»
، وقال القشيري : نزلت في النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وعليّ بن أبي طالب
والذين كفروا مشركو العرب، أو من أنكر نبوته من مشركيهم والكفار، ولم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر، وانقياد الشجر، وانقلاب العصا سيفا، ونبع الماء من بين الأصابع، وأمثال هذه. فاقترحوا عنادا آيات كالمذكورة في سبحان، وفي الفرقان كالتفجير للينبوع، والرقي في السماء، والملك، والكنز، فقال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم : إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة، وناصح كغيرك من الرسل، ليس لك الإتيان بما اقترحوا. إذ قد أتى بآيات عدد الحصا، والآيات كلها متماثلة في صحة الدعوى، لا تفاوت فيها. فالاقتراح إنما هو عناد، ولم يجر اللّه العادة بإظهار الآيات المقترحة إلا للآية التي حتم بعذابها واستئصالها.
وهاد : يحتمل أن يكون قد عطف على منذر، وفصل بينهما بقوله لكل قوم، وبه قال :
عكرمة، وأبو الضحى. فإن أخذت : ولكل قوم هاد، على العموم فمعناه : وداع إلى الهدى، كما
قال :«بعثت إلى الأسود والأحمر»
فإن أخذت هاد على حقيقته فكل قوم مخصوص أي : ولكل قوم قائلين هاد. وقيل : ولكل أمة سلفت هاد أي : نبي يدعوهم.
والقصد : فليس أمرك ببدع ولا منكر، وبه قال : مجاهد، وابن زيد، والزجاج قال : نبي

(١) سورة طه : ٢٠/ ٨٢.


الصفحة التالية
Icon