البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٥٥
يدعوهم بما يعطي من الآيات، لا بما يتحكمون فيه من الاقتراحات. وتبعهم الزمخشري.
فقال : هاد من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى اللّه بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأشياء شرعا واحدا في آيات مخصوصة. وقالت فرقة : الهادي في هذه الآية هو اللّه تعالى، روي أن ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وهاد : على هذا مخترع للإرشاد. قال ابن عطية : وألفاظ تتعلق بهذا المعنى، وتعرف أن اللّه تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع. وقال الزمخشري : في هذا القول وجه آخر : وهو أن يكون المعنى : إنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر، لا أن تثبت الإيمان بالإلجاء، والذي يثبته بالإلجاء هو اللّه تعالى انتهى. ودلّ كلامه على الاعتزال. وقال في معنى القول الذي تبع فيه مجاهد، وابن زيد ما نصه : ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته، أن إعطاء كل منذر آيات أمر مدبر بالعلم النافذ، مقدر بالحكمة الربانية. ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرا أو مصلحة لأجابهم إليه. وقال الزمخشري أيضا في معنى أن الهادي هو اللّه تعالى أي : بالإلجاء على زعمه ما نصه : وأما هذا الوجه الثاني فقد دل به على أنّ من هذه القدرة قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره انتهى. وقالت فرقة : الهادي علي بن أبي طالب، وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذه الآية، فإنما جعل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب مثالا من علماء الأمّة وهداتها إلى الدين، فكأنه قال : أنت يا علي هذا وصفك، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم، ثم كذلك علماء كل عصر، فيكون المعنى على هذا : إنما أنت يا محمد منذر، ولكل قوم في القديم والحديث دعاة هداة إلى الخير. وقال أبو العالية : الهادي العمل.
وقال علي بن عيسى : ولكل قوم سابق سبقهم إلى الهدى إلى نبي أولئك القوم. وقيل : هاد قائد إلى الخير أو إلى الشر قال تعالى في الخير : وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ «١» وقال في الشر : فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ «٢» قاله أبو صالح. ووقف ابن كثير على هاد وواق حيث واقعا، وعلى وال هنا وباق في النحل بإثبات الياء، وباقي السبعة بحذفها. وفي الإقناع لأبي جعفر بن الباذش عن ابن مجاهد : الوقف على جميع الباب

(١) سورة الحج : ٢٢/ ٢٤.
(٢) سورة الصافات : ٣٧/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon