البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٥٣
والسلاسل. وقيل : يحتمل أن يكون مجازا أي : هم مغلولون عن الإيمان، فتجري إذا مجرى الطبع والختم على القلوب كما قال تعالى : إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا «١» وكما قال الشاعر :
لهم عن الرشد أغلال وأقياد وقيل : الأغلال هنا عبارة عن أعمالهم الفاسدة في أعناقهم كالأغلال، ثم ذكر ما يستقرون عليه في الآخرة، وأبرز ذلك في جملة مستقلة مشار إليهم رادة عليهم ما أنكروه من البعث، إذ لا يكون أصحاب النار إلا بعد الحشر. ولما كانوا متوعدين بالعذاب إن أصروا على الكفر، وكانوا مكذبين بما أنذروا به من العذاب، سألوا واستعجلوا في الطلب أن يأتيهم العذاب وذلك على سبيل الاستهزاء كما قالوا : فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً «٢» وقالوا :
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً «٣».
قال ابن عباس : السيئة العذاب، والحسنة العافية. وقال قتادة : بالشر قبل الخير.
وقيل : بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، وهذه الأقوال متقاربة. وقد خلت من قبلهم المثلات أي : يستعجلونك بالسيئة مع علمهم بما حل بغيرهم من مكذبي الرسل في الأمم السالفة، وهذا يدل على سخف عقولهم، إذ يستعجلون بالعذاب. والحالة هذه فلو أنه لم يسبق تعذيب أمثالهم لكانوا ربما يكون لهم عذر، ولكنهم لا يعتبرون فيستهزؤون. قال ابن عباس : المثلات العقوبات المستأصلات، كمثلات قطع الأنف والأذن ونحوهما. وقال السدي : النقمات. وقال قتادة : وقائع اللّه الفاضحة، كمسخ القردة والخنازير. وقال مجاهد : الأمثال المضروبة. وقرأ الجمهور : بفتح الميم وضم التاء، ومجاهد والأعمش بفتحهما. وقرأ عيسى بن عمير وفي رواية الأعمش وأبو بكر : بضمهما، وابن وثاب : بضم الميم وسكون الثاء، وابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء. ولذو مغفرة للناس على ظلمهم ترجية للغفران، وعلى ظلمهم في موضع الحال والمعنى : أنه يغفر لهم مع ظلمهم أنفسهم باكتساب الذنوب أي : ظالمين أنفسهم. قال ابن عباس : ليس في القرآن آية أرجى من هذه. وقال الطبري : ليغفر لهم في الآخرة. وقال القاسم بن يحيى وقوم : ليغفر لهم الظلم السالف بتوبتهم في الآنف. وقيل : ليغفر السيئات الصغيرة لمجتنب الكبائر.
(٢) سورة الأنفال : ٨/ ٣٢.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ٩٢.