حرف في واللام متقاربان، تقول : إنما أنت للعناء والنصب، وإنما أنت في العناء والنصب، وفيه وجه آخر وهو أن قوله :﴿فِى كَبَدٍ﴾ يدل على أن الكبد قد أحاط به إحاطة الظرف بالمظروف، وفيه إشارة إلى ما ذكرنا أنه ليس في الدنيا إلا الكد والمحنة.
المسألة الثالثة :
منهم من قال : المراد بالإنسان إنسان معين، وهو الذي وصفناه بالقوة، والأكثرون على أنه عام يدخل فيه كل أحد وإن كنا لا نمنع من أن يكون ورد عند فعل فعله ذلك الرجل.
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)
اعلم أنا إن فسرنا الكبد بالشدة في القوة، فالمعنى أيحسب ذلك الإنسان الشديد أنه لشدته لا يقدر عليه أحد، وإن فسرنا المحنة والبلاء كان المعنى تسهيل ذلك على القلب، كأنه يقول : وهب أن الإنسان كان في النعمة والقدرة، أفيظن أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه أحد ؟ ثم اختلفوا فقال : بعضهم لن يقدر على بعثه ومجازاته فكأنه خطاب مع من أنكر البعث، وقال آخرون : المراد لن يقدر على تغيير أحواله ظناً منه أنه قوي على الأمور لا يدافع عن مراده، وقوله :﴿أَيَحْسَبُ﴾ استفهام على سبيل الإنكار.
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦)
قال أبو عبيدة : لبد، فعل من التلبيد وهو المال الكثير بعضه على بعض، قال الزجاج : فعل للكثرة يقال رجل حطم إذا كان كثير الحطم، قال الفراء : واحدته لبدة ولبد جمع وجعله بعضهم واحداً، ونظيره قسم وحطم وهو في الوجهين جميعاً الكثير، قال الليث : مال لبد لا يخاف فناؤه من كثرته.
وقد ذكرنا تفسير هذا الحرف عند قوله :﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ [ الجن : ١٩ ] والمعنى أن هذا الكافر يقول : أهلكت في عداوة محمد مالاً كثيراً، والمراد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونه مكارم، ويدعونه معالي ومفاخر.
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)


الصفحة التالية
Icon