وأما الثاني : وهو الكبد في الدين، فقال الحسن : يكابد الشكر على السراء، والصبر على الضراء، ويكابد المحن في أداء العبادات.
وأما الثالث : وهو الآخرة، فالموت ومساءلة الملك وظلمة القبر، ثم البعث والعرض على الله إلى أن يستقر به القرار إما في الجنة وإما في النار.
وأما الرابع : وهو يكون اللفظ محمولاً على الكل فهو الحق، وعندي فيه وجه آخر، وهو أنه ليس في هذه الدنيا لذة ألبتة، بل ذاك يظن أنه لذة فهو خلاص عن الألم، فإن ما يتخيل من اللذة عند الأكل فهو خلاص عند ألم الجوع، وما يتخيل من اللذات عند اللبس فهو خلاص عن ألم الحر والبرد، فليس للإنسان، إلا ألم أو خلاص عن ألم وانتقال إلى آخر، فهذا معنى قوله :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى كَبَدٍ﴾ ويظهر منه أنه لا بد للإنسان من البعث والقيامة، لأن الحكيم الذي دبر خلقة الإنسان إن كان مطلوبه منه أن يتألم، فهذا لا يليق بالرحمة، وإن كان مطلوبه أن لا يتألم ولا يلتذ، ففي تركه على العدم كفاية في هذا المطلوب، وإن كان مطلوبه أن يلتذ، فقد بينا أنه ليس في هذه الحياة لذة، وأنه خلق الإنسان في هذه الدنيا في كبد ومشقة ومحنة، فإذا لا بد بعد هذه الدار من دار أخرى، لتكون تلك الدار دار السعادات واللذات والكرمات.
وأما على الوجه الثاني : وهو أن يفسر الكبد بالاستواء، فقال ابن عباس : في كبد، أي قائماً منتصباً، والحيوانات الآخر تمشي منكسة، فهذا امتنان عليه بهذه الخلقة.
وأما على الوجه الثالث : وهو أن يفسر الكبد بشدة الخلقة، فقد قال الكلبي : نزلت هذه الآية في رجل من بني جمح يكنى أبا الأشد، وكان يجعل تحت قدميه الأديم العكاظي، فيجتذبونه من تحت قدميه فيتمزق الأديم ولم تزل قدماه، واعلم أن اللائق بالآية هو الوجه الأول.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon