قبله، فأحل ما شاء وحرم ما شاء وفعل ما شاء، فقتل عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما، وحرم دار أبي سفيان، ثم قال :" إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ولم تحل إلا ساعة من نهار، فلا يعضد شجرها، ولا يختلي خلالها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.
" فقال العباس : إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال " إلا الإذخر ".
فإن قيل : هذه السورة مكية، وقوله :﴿وَأَنتَ حِلٌّ﴾ إخبار عن الحال، والواقعة التي ذكرتم إنما حدثت في آخر مدة هجرته إلى المدينة، فكيف الجمع بين الأمرين ؟ قلنا : قد يكون اللفظ للحال والمعنى مستقبلاً، كقوله تعالى :
﴿إِنَّكَ مَيّتٌ﴾ [ الزمر : ٣٠ ] وكما إذا قلت لمن تعده الإكرام والحباء : أنت مكرم محبو، وهذا من الله أحسن، لأن المستقبل عنده كالحاضر بسبب أنه لا يمنعه عن وعده مانع ورابعها :﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾ أي وأنت غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه تعظيماً منك لهذا البيت، لا كالمشركين الذين يرتكبون فيه الكفر بالله، وتكذيب الرسل وخامسها : أنه تعالى لما أقسم بهذا البلد دل ذلك على غاية فضل هذا البلد، ثم قال :﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾ أي وأنت من حل هذه البلدة المعظمة المكرمة، وأهل هذا البلد يعرفون أصلك ونسبك وطهارتك وبراءتك طول عمرك من الأفعال القبيحة، وهذا هو المراد بقوله تعالى :﴿هُوَ الذى بَعَثَ فِى الاميين رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ [ الجمعة : ٢ ] وقال :﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] وقوله :﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ﴾ [ يونس : ١٦ ] فيكون الغرض شرح منصب رسول الله ﷺ بكونه من هذا البلد.