أما قوله :﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ فاعلم أن هذا معطوف على قوله :﴿لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد﴾ وقوله :﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾ معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، وللمفسرين فيه وجوه أحدها : الولد آدم وما ولد ذريته، أقسم بهم إذ هم من أعجب خلق الله على وجه الأرض، لما فيهم من البيان والنطق والتدبير واستخراج العلوم وفيهم الأنبياء والدعاة إلى الله تعالى والأنصار لدينه، وكل ما في الأرض مخلوق لهم وأمر الملائكة بالسجود لآدم وعلمه الأسماء كلها، وقد قال الله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] فيكون القسم بجميع الآدميين صالحهم وطالحهم، لما ذكرنا من ظهور العجائب في هذه البنية والتركيب، وقيل : هو قسم بآدم والصالحين من أولاده، بناء على أن الطالحين كأنهم ليسوا من أولاده وكأنهم بهائم.
كما قال :﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [ الفرقان : ٤٤ ]، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ [ البقرة : ١٨ ] وثانيها : أن الولد إبراهيم وإسماعيل وما ولد محمد ﷺ وذلك لأنه أقسم بمكة وإبراهيم بانيها وإسماعيل ومحمد عليهما السلام سكانها، وفائدة التنكير الإبهام المستقل بالمدح والتعجب، وإنما قال :﴿وَمَا وَلَدَ﴾ ولم يقل ومن ولد، للفائدة الموجودة في قوله :﴿والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ [ آل عمران : ٣٦ ] أي بأي شيء وضعت يعني موضوعاً عجيب الشأن وثالثها : الولد إبراهيم وما ولد جميع ولد إبراهيم بحيث يحتمل العرب والعجم.