﴿والذين كفروا أعمالهم كسراب﴾ أي: فحالهم على ضد ذلك، فإن أعمالهم التي يحسبونها صالحة نافعة عند الله تعالى يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كسراب وهو ما يرى في الغلاة وقت الضحى الأكبر شبيهاً بالماء الجاري، وهو ليس بماء، ولكن الذي ينظر إليه من بعيد يظنه ماءً جارياً، وقيل: هو الشعاع الذي يرى نصف النهار في شدّة الحر في البراري الذي يخيل للناظر أنه الماء السارب أي: الجاري، فإذا قرب منه انغش فلم يرَ شيئاً، وأما الآل فإنما يكون أول النهار كأنه ماء بين السماء والأرض، وقال البغوي: والآل ما ارتفع عن الأرض وهو شعاع يجري بين السماء والأرض بالغدوات شبه بالمرآة ترفع فيها الشخوص يرى فيها الصغير كبيراً، والقصير طويلاً والرقراق يكون بالعشاء وهو ما ترقرق من السراب أي: جاء وذهب، وقوله تعالى: ﴿بقيعة﴾ جمع قاع وهي أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام قاله في القاموس، وقيل: القيعة بمعنى القاع، وهو الأرض المستوية المنبسطة، وفيها يكون السراب، وقال الفراء: جمع قاع كجار وجيرة، وقال الفارسي: جمعه قيعة وقيعان ﴿يحسبه﴾ أي: يظنه ﴿الظمآن﴾ أي: العطشان الشديد العطش من ضعف العقل ﴿ماءً﴾ فيقصده ولا يزال سائراً ﴿حتى إذا جاءه﴾ أي: ما قدر أنه ماء، وقيل: جاء إلى موضع السراب ﴿لم يجده شيئاً﴾ مما حسبه ووجه التشبيه أن الذي جاء به الكافر إن كان من أفعال البر، فهو لا يستحق عليه ثواباً مع أنه يعتقد أن له ثواباً عليه، وإن كان من أفعال الإثم فهو يستحق عليه العقاب مع أنه يعتقد أن له ثواباً، فكيف كان فهو يعتقد أن له ثواباً عند الله تعالى فإذا وافى عرصة القيامة ولم يجد الثواب بل وجد العقاب العظيم عظمت حسرته وتناهى غمه فيشبه حاله حال الظمآن الذي اشتدت حاجته إلى الماء، فإذا شاهد السراب في البر تعلق به قلبه، فإذا جاء له لم يجده شيئاً، فكذلك حال الكافر يحسب أن عمله نافعه فإذا احتاج إلى عمله لم يجده شيئاً ولا ينفعه، وقال