﴿و﴾ لما تناهى الطوفان وأغرق قوم نوح ﴿قيل﴾ أي: قال الله تعالى أو ملك بأمره تعالى ﴿يا أرض ابلعي ماءك﴾ أي: اشربيه ﴿ويا سماء أقلعي﴾ أي: أمسكي ماءك، ناداهما بما ينادى به الحيوان المميز على لفظ التخصيص والإقبال عليهما بالخطاب من بين سائر المخلوقات ثم أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل تمثيلاً لكمال انقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما، وههنا همزتان مختلفتان من كلمتين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة. قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير بإبدال الثانية واواً خالصة والباقون بالتخفيف ﴿وغيض الماء﴾ أي: نقص وذهب، وقرأ هشام والكسائي بإشمام الغين وهو ضم الغين قبل الياء والباقون بالكسر وكذا وقيل: ﴿وقضي الأمر﴾ أي: وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين ﴿واستوت﴾ أي: استقرّت السفينة ﴿على الجودي﴾ وهو جبل بالجزيرة قريب من الموصل. وقيل، أي: قال الله تعالى أو ملك بأمره تعالى: ﴿بعداً﴾ أي: هلاكاً ﴿للقوم الظالمين﴾ ومجيء أخباره على الفعل المبني للمفعول للدلالة على الجلال والكبرياء وأنّ تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل قادر وبكون مكون قاهر، وأن فاعلها واحد لا يشارك في أفعاله فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره: ﴿يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي﴾ ولا أن يقضي ذلك الأمر الهائل غيره ولا أن تستوي على متن الجودي وتستقر عليه إلا بتسويته وإقراره.
(٣/١٤٣)
---


الصفحة التالية
Icon