وروي أنّ السفينة لما استقرت بعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع، فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها، ولطخت رجليها بالطين فعلم نوح أنّ الماء قد نقص، فقيل: إنه دعا على الغراب بالخوف فلذا لا يألف البيوت، وطوّق الحمامة الخضرة التي في عنقها ودعا لها بالأمان فمن ثم تألف البيوت. وروي أنّ نوحاً ركب السفينة لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرّت بالبيت العتيق، وقد رفعه الله تعالى من الغرق وبقي موضعه، فطافت به السفينة سبعاً. وأودع الحجر الأسود في جبل أبي قبيس، وهبط نوح ومن معه في السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح وأمر من معه بصيامه شكراً لله تعالى. وبنوا قرية بقرب الجبل وسميت سوق ثمانين فهي أوّل قرية عمرت على وجه الأرض بعد الطوفان. وقيل: إنه لم ينج أحد من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق وكان الماء يصل إلى حجزته وهذا لا يأتي على القول بإطباق الماء. قال هذا القائل: وسبب نجاته أنّ نوحاً احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقله، فحمله عوج إليه من الشام فنجاه الله تعالى من الغرق بذلك. فإن قيل: كيف أغرق الله تعالى من لم يبلغ الحلم من الأطفال؟ أجيب: بأنه تعالى يتصرف في خلقه لا يسئل عما يفعل. وقيل: إنّ الله تعالى أعقم أرحام نسائهم أربعمائة سنة فلم يولد لهم تلك المدّة.
﴿ونادى نوح ربه﴾ أي: دعاه وسأله ﴿فقال رب إنّ ابني من أهلي﴾ وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي ﴿وإن وعدك الحق﴾ أي: الصدق الذي لا خلف فيه ﴿وأنت أحكم الحاكمين﴾ لأنك أعلمهم وأعدلهم.l
فإن قيل: إذا كان النداء هو قوله ربّ فكيف عطف قال رب على نادى بالفاء؟ أجيب: بأن الفاء تفصيل لمجمل نادى، مثلها في: توضأ فغسل. وقيل: نادى، أي: أراد نداءه فقال رب.
(٣/١٤٤)
---


الصفحة التالية
Icon