المؤاخاة بين المعاني والمؤاخاة بين المباني
و حيث وصلنا الى هذا المدى من ترتيب الاقسام يجدر بنا أن نتحدث عن المؤاخاة بين المعاني والمؤاخاة بين المباني وانها سر البيان ونسمة الروح فيه وقد أخذوا على أبي الطيب قوله على أنه آية في الحسن والروعة :
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أو مساءة مجرم
فإن المقابلة الصحيحة بن المحب والمبغض لا بين المحب والمجرم وليس كل من أجرم إليك كان مبغضا لك.
و روى أبو الفرج في الأغاني انه اجتمع نصيب والكميت وذو الرمة فأنشد الكميت :
أم هل ظعائن بالعلياء رافعة وإن تكامل فيها الدّلّ والشنب
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ١٠٢
فعقد نصيب واحدة فقال له الكميت : ماذا تحصي؟ قال : خطأك فإنك تباعدت في القول، أين الدل من الشنب؟ ألّا قلت كما قال دو الرمة :
لمياء في شفتيها حوّة لعس وفي اللّثات وفي أنيابها شنب
و هذا موضع دقيق- كما قلنا- يتورط فيه أرباب النظم والنثر كثيرا وهو مظنة الغلط لأنه يحتاج الى شفوف طبع وثقوب نظر وقد وقع الخطأ لأبي نواس في قوله في وصف الديك وهي أرجوزة سنوردها في باب الفوائد لملاحتها وندرتها ولأن الدواوين الموجودة بين أيدينا أوردتها خطأ قال :
له اعتدال وانتصاب قدّ وجلده يشبه وشي البرد
كأنها الهداب في الفرند محدودب الظهر كريم الجد
فإن ذكر الظهر من جملة الخلق والجد من النسب وكان ينبغي أن يذكر مع الظهر ما يقرب منه ويؤاخيه أيضا وسيرد من أمثلة هذا الفن في كتابنا الشي ء الكثير.


الصفحة التالية
Icon