ولما أخبر عن قسمهم، حكى معنى ما أقسموا عليه دون لفظه بقوله :﴿لئن جاءهم﴾ وعبر بالسبب الأعظم للرسالة فقال :﴿نذير﴾ أي من عند الله ﴿ليكونن﴾ أي الكفار ﴿أهدى﴾ أي أعظم في الهدى ﴿من أحدى﴾ أي واحدة من ﴿الأمم﴾ أي السالفة أو من الأمة التي لم تكن في الأمم التي جاءتها النذر أهدى منها، قال أبو حيان : كما قالوا هو أحد الأحدين، وهي إحدى الأحد، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل.
لأنهم أحد أذهاناً وأقوم لساناً وأعظم عقولاً، وألزم لما يدعو إليه العقل، واطلب لما يشهد بالفضل، وأكدوا بالقسم لأن الناظر لتكذيب أهل العلم بالكتاب يكذبهم في دعوى التصديق قياساً أخروياً، ودل على إسراعهم في الكذب بالفاء فقال :﴿فلما جاءهم نذير﴾ أي على ما شرطوا وزيادة، وهو محمد ﷺ الذين كانوا يشهدون أنه خيرهم مع كونه خيرهم نفساً وأشرفهم نسباً وأكرمهم في كل خلق أماً وأباً، وأمتنهم في كل مأثرة سبباً ﴿ما زادهم﴾ أي مجيئه شيئاً مما هم عليه من الأحوال ﴿إلا نفوراً﴾ أي لأنه كان سبباً في زيادتهم في الكفر كالإبل التي كانت نفرت من ربها فضلت بحيث يتعذر أو يتعسر ردها فتبين أنه لا عهد لهم مع ادعائهم أنهم أوفى الناس، ولا صدق عندهم مع جزمهم بأنهم أصدق الخلق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٤
ولما كانوا قد جبلوا على الضلال، وكان النفور قد يكون لأمر محمود أو مباح، علله بقوله :﴿استكباراً﴾ أي طلباً لإيجاد الكبر لأنفسهم ﴿في الأرض﴾ أي التي من شأنها السفول والتواضع والخمول ﴿ومكر السيىء﴾ أي ولأجل مكرهم المكر الذي من شأنه أن يسوء صاحبه وغيره، وهو إرادتهم لإيهان أمر النبي ﷺ وإطفاء نور الله، وقراءة عبد الله ﴿ومكراً سيئاً﴾ يدل على أنه من إضافة الشيء إلى صفته، وقراءة حمزة بإسكان الهمزة بينة الوقف إشارة إلى تدقيقهم المكر وإتقانه وإخفائه جهدهم ﴿ولا﴾ أي
٢٣٥


الصفحة التالية
Icon