ولما بيّن ذلك بيّن قولهم في اصطراخهم بقوله :﴿ربنا﴾ أي يقولون : أيها المحسن إلينا ﴿أخرجنا﴾ أي من النار ﴿نعمل صالحاً﴾ ثم أكدوه وفسروه وبينوه بقولهم على سبيل التحسر والاعتراف بالخطأ أو لأنهم كانوا يظنون عملهم صالحاً ﴿غير ذلك كنا﴾ أي بغاية جهدنا ﴿نعمل﴾ فتركوا الترقق والعمل على حسبه في وقت
٢٢٩
نفعه واستعلوه عند فواته فلم ينفعهم، بل قيل في جوابهم تقريراً لهم وتوبيخاً وتقريعاً :﴿أو لم﴾ أي ألم تكونوا في دار العمل متمكنين من ذلك بالعقول والقوى ؟ أو لم ﴿نعمركم﴾ أي نطل أعماركم مع إعطائنا لكم العقول ولم نعاجلكم بالأخذ ﴿ما﴾ أي زماناً ﴿يتذكر فيه﴾ وما يشمل كل عمر يتمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه غير أن التوبيخ في الطويل أعظم، وأشار بمظهر العظمة إلى أنه لا مطمع بغيره سبحانه في مد العمر.
ولما كان التفكر بعد البعث غير نافع لأنه بعد كشف الغطاء، عبر الماضي فقال :﴿من تذكر﴾ إعلاماً قد ختم على ديوان المتذكرين، فلا يزاد فيهم أحد، والزمان المشار إليه قيل : إنه ستون سنة - قاله ابن عباس رضي الله عنهم، وبوّب له البخاري في أوائل الرقاق من غير إلى واحد، وروى أحمد بن منيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال "من عمره الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ".
وروى الترمذي وابن ماجه وأبو يعلى عن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ".
وأقلهم من يجوز ذلك.
ولما أشار إلى دليل العقل ابتداء ودواماً، أشار إلى أدلة النقل المنبه على ما قصر عنه العقل، فقال معبراً بالماضي تصريحاً بالمقصود عطفاً على معنى : أو لم نعمركم الذي هو قد عمرناكم :﴿وجاءكم النذير﴾ أي عنى من الرسل والكتب تأييداً للعقول بالدليل المعقول.