ولما تسبب عن ذلك أن عذابهم لا ينفك قال :﴿فذقوا﴾ أي ما أعددناه لكم من العذاب دائماً أبداً، ولما كانت العادة جارية بأن من أيس من خصمه فزع إلى الاستغاثة عليه، تسبب عن ذلك قوله :﴿فما﴾ وكان الأصل : لكم، ولكنه أظهر تعليقاً للحكم بالوصف للتعميم فقال :﴿للظالمين﴾ أي الواضعين الأشياء في غير مواضعها ﴿من نصير*﴾ أي يعينهم ويقوي أيديهم، فلا براح لكم عن هذا الذواق، وهذا عام في كل
٢٣٠
ظالم، فإن من ثبت له نصر عليه ظلمه في كل يوم يضعف ويهن والحق في كل حين يقوى ويضخم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٧
ولما كان سبحانه عالماً بما نفى وما أثبت، علل ذكر مقرراً دوام عذابهم وأنه بقدر كفرانهم كما قال تعالى ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ [الشورى : ٤٠] بقوله مؤكداً إشارة إلى أنه لا يجب تمرين النفس عليه لما له من الصعوبة لوقوف النفس مع المحسوسات :﴿إن الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿عالم الغيب﴾ ولما كانت جهة العلو أعرق في الغيب قال :﴿السموات والأرض﴾ فأنتج ذلك قوله مؤكداً لأنه من أعجب الغيب لأنه كثيراً ما يخفى على الإنسان ما في نفسه والله تعالى عالم به، أو هو تعليل لما قبله :﴿إنه عليم﴾ أي بالغ العلم ﴿بذات الصدور*﴾ أي قبل أن يعلمها أربابها حين تكون غيباً محضاً، فهو يعلم أنكم لو مدت أعماركم لم ترجعوا عن الكفر أبداً، ولو رددتم لعدتم لما نهيتم عنه وأنه لا مطمع في صلاحكم، ولذلك يأمر الملك أن يكتب عند نفخ الروح في الولد أنه ما شقي أو سعيد قبل أن يكون له خاطر أصلاً، وربما كان في غاية ما يكون من الإقبال على الخير فعلاً ونية، ثم يختم له بشر، وربما كان على خلاف ذلك في غاية الفساد، لا يدع شركاً ولا غيره من المعاصي حتى يرتكبها وهو عند الله سعيد لما يعلم من نيته بعد ذلك حين يقبل بقلبه عليه فيختم له بخير فيكون من أهل الجنة، وأما الخواطر بعد وجودها في القلوب فقد يطلع عليها الملك والشيطان.