وكان المالك المطلق لا يجب عليه شيء ولا استحقاق لمملوكه عليه بوجه قال :﴿من فضله﴾ أي بلا عمل منا فإن حسناتنا إنما كانت منّاً منه سبحانه، لو لم يبعثنا وييسرها لنا لما كانت.
ولما تذكروا ما شاهدوه في عرصات القيامة من تلك الكروب والأهوال، والأنكاد
٢٢٨
والأثقال، التي أشار إليها قوله تعالى :﴿وإن تدع مثقلة إلى حملها﴾ الاية، استأنفوا قولهم في وصف دار القرار :﴿لا يمسنا﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿فيها نصيب﴾ أي نصب بدن ولا وجع ولا شيء ﴿ولا يمسنا فيها لغوب*﴾ أي كلال وتعب وإعياء وفتور نفس من شيء من الأشياء، قال أبو حيان : هو لازم من تعب البدن.
فهي الجديرة لعمري بأن يقال فيها :
علينا لا تنزل الأحزان شاحتها لو مسحها حجر مسته سراء
ولما بيّن ما هم من النعمة، بيّن ما لأعدائهم من النقمة، زيادة في سرورهم بما قاسوه في الدنيا من تكبرهم عليهم وفجورهم فقال :﴿والذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلت عليه عقولهم من شموس الآيات وأنوار الدلالات ﴿لهم نار جهنم﴾ أي بما تجهموا أولياء الله الدعاء إليهم.
ولما كانت عادة النار إهلاك من دخلها بسرعة، بيّن أن حالها على غير ذلك زيادة في نكالهم وسوء مآلهم فقال مستأنفاً :﴿لا يقضى﴾ أي لا يحكم وينفذ ويثبت من حاكم ما ﴿عليهم﴾ أي بموت ﴿فيموتوا﴾ أي فيتسبب عن القضاء موتهم، وإذا راجعت ما مضى في سورة سبحان من قوله ﴿فلا يملكون كشف الضر عنكم﴾ [الأسراء : ٥٦] وما يأتي إن شاء الله تعالى في المرسلات من قوله :﴿ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ [المرسلات : ٣٦] علمت سر وجوب النصب هنا لأنه ثبوت المعجزة يستوي فيها المسع والبصر، وبنى أبو عمرو الفعل للمفعول إشارة إلى سهولته وتيسره ورفع ﴿كل﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٧
ولما بيّن عذابهم بين اكتئابهم فقال :﴿وهم﴾ أي فعل ذلك بهم والحال أنهم ﴿يصطرخون فيها﴾ أي يوجدون الصراخ فيها بغاية ما يقدرون عليه من الجهد في الصياح بالبكاء والنواح.


الصفحة التالية
Icon