وقد أجاب هؤلاء عن الألف اللازمة فى قوله "تنسى" مع تقدم "لا" الناهية عليها - أى الكلمة - ومن شأنها جزم المضارع بعدها، أجابوا عن ذلك بأن الألف هنا للإشباع(١)، كما فى قوله تعالى: ((لا تخاف دركاً ولا تخشى)) (٢)، وقد لحظنا أن هذا الخلاف كائن مع كون القراءة واحدة.
وأما السبب الثالث: وهو اختلاف اللغويين فى معنى الكلمة، فمثاله، اختلافهم حول معنى لفظ "مخلدون" من قوله تعالى: ((يطوف عليهم ولدان مخلدون)) (٣)
فقيل: معناه لا يهرمون أبداً، ولا يتغيرون فهم فى سن واحد، وشكلهم شكل الولدان دائماً، والعرب تقول لمن كبر ولم يشب: إنه لمخلد. وقيل معناه مقرطون من قولهم: خلد جاريته إذا حلااها بالخلدة وهى القرطة.
وقيل: مخلدون منعمون ومنه قول امرئ القيس:

وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وقيل : مخلدون أى مستورون بالحلية. ومنه قول الشاعر:
ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان (٤)
وقيل غير ذلك. وهذه الأقوال كلها تدور على معانى لفظ مخلدون فى اللغة، وهى كما نعلم ثرية جداً بألفاظها، غنية بمعانيها وأسرارها، ومن ثم كان شرطاً رئيساً فيمن يتصدى لتفسير كتاب الله أن يكون على معرفة واسعة بلغة العرب شعراً ونثراً، ولذلك قال مالك - رحمه الله - لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالاً.
وأما السبب الرابع:
وهو اشترك اللفظ بين معنيين فأكثر ؛ فمثاله: اختلافهم حول لفظ الصريم فى قوله تعالى: ((فأصبحت كالصريم)) (٥)، فهو مشترك لفظى بين سواد الليل وبياض النهار.
(١) أنظر: الدر المصون - ٦/٥١٠.
(٢) سورة طه : ٧٧.
(٣) سورة الواقعة : ١٧.
(٤) أنظر: فتح القدير - ٥/١٨٦، والكثبان جمع كثبة وهى: كل مجتمع من طعام أو غيره بعد أن يكون قليلاً.
(٥) سورة القلم: ٢٠.


الصفحة التالية
Icon