فأما بالنسبة لتفسير السلف، فقد بين ابن تيمية أن غالب ما ينقل عنهم فيه راجع إلى اختلاف التنوع، وليس اختلاف التضاد، وذلك كأن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد فى المسمى.
وذلك مثل اختلافهم حول تفسير (( الصراط المستقيم )) (١)، فبعضهم قال : هو اتباع القرآن، وبعضهم قال : هو الإسلام، فهذان القولان الاختلاف فيهما اختلاف تنوع ؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن.
ويندرج تحت خلاف التنوع أيضاً ذكر العام ببعض أفراده، أو أنواعه على سبيل التمثيل، ومثال ذلك خلافهم حول المراد بقوله تعالى :
(( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله))(٢)
هذه الآية اختلف فى تفسيرها على أقوال كثيرة، فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله بعضاً منها على سبيل التمثيل فقال : معلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للحرمات. والمقتصد يتناول فاعل الواجبات و تارك المحرمات. والسابق يدخل فيه من سبق، فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون هم أصحاب اليمين، والسابقون أولئك المقربون.
ثم إن كلاً منهم - أى المفسرين - يذكر هذا فى نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل:
السابق الذى يصلى فى أول الوقت، والمقتصد الذى يصلى فى أثنائه، والظالم لنفسه الذى يؤخر العصر إلى الاصفرار.
أو يقول: السابق والمقتصد والظالم قد ذكروا فى أخر سورة البقرة، فقد ذُكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع..... وأمثال هذه الأقاويل.

(١) سورة الفاتحة : ٥.
(٢) سورة فاطر : ٣٢


الصفحة التالية
Icon