آيات من القرآن الكريم

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
ﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة والضحى
مكية
قوله تعالى: ﴿والضحى * والليل إِذَا سجى﴾ إلى آخرها.
أقسم الله جل ذكره بالضحى، وهو النهار كله عند الفراء.
وعند غيره: هو أول (النهار)، قال قتادة: الضحى: " ساعة من ساعات النهار "، والمعنى: ورب الضحى، وخالق الضحى، ونحوه.
وقوله: ﴿إِذَا سجى﴾ قال ابن عباس: ﴿سجى﴾: أقبل. وعنه أيضاً: " سجى ": ذهب.
وقال مجاهد: ﴿سجى﴾ استوى. وقال قتادة: ﴿سجى﴾: " سكن بالخلق ".
وقال الضحاك: ﴿سجى﴾: استقر وسكن. وهو قول ابن زيد.

صفحة رقم 8323

ثم قال تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ/ وَمَا قلى﴾.
هذا جواب القسم، أي: ما تركك ربك يا محمد وما أبغضك.
فالمفعول من " قلى " محذوف.
وروي أن الوحي أبطأ على النبي ﷺ فقالت قريش: قد ودع محمداً ربه وقلاه، فأنزل الله جل ذكره: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ/ وَمَا قلى﴾.
وروى هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أبطأ جبريل عن النبي ﷺ، فقالت له خديجة: أحسب ربك قد [قلاك]، فأنزل الله: ﴿والضحى﴾ إلى آخرها.
وقال ابن عباس: أري النبي ﷺ ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك، فأنزل الله ﴿والضحى﴾ إلى قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ (قال) فأعطاه الله ألف قصر في الجنة، ترابها المسك في كل قصر ما ينبغي (له) من الأزواج والخدم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾ أي: ولنعيم الآخرة خير لك من نكد (الدنيا).

صفحة رقم 8324

(ثم) قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ أي: ولسوف يعطيط يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه حتى ترضى.
قال ابن عباس: عرض على النبي ﷺ ما هو مفتوح على أمته من بعد، فسر بذلك، فانزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾، قال: فأعطاه (الله) ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك، وفيها ما يصلحها.
وعن ابن عباس أنه قال: ما رضي محمد ﷺ أن يدخل أحد من أهل بيته النار.
وروى جابر من عبد الله " أن النبي ﷺ دخل على بنته فاطمة وعليها كساء (من [جلة]) الإبل وهي تطحن بيدها، فلما رآها دمعت عيناه، قال: يا فاطمة، تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، فأنزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ ".

صفحة رقم 8325

[وروي عن بعض أن النبي ﷺ [ قال]: " ليس في القرآن أرجى من قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾]، ولا يرضى رسول الله ﷺ أن يدخل أحد من أمته النار ".
هذا معنى قوله المروي عنه.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى﴾.
أي: كنت يا محمد يتيماً في حجر عمك أبي طالب فجعل الله لك مأوى تأوي إليه، ومنزلاً تنزله.
وقيل: كنت يتيماً فآواك إلى عمك أبي طالب.
﴿وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى﴾.
أي: ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم فهداك (للذي أنت عليه. وقيل: وجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها. وقال الفراء: معناه ووجدك في قوم ضلال فهداك) للإيمان.

صفحة رقم 8326

وقيل: ضالاً عن الشريعة.
وقيل: ضالاً، أي: منسوباً إلى الضلالة. وقيل: معنى فهدى: فبين أمرك بالبراهين.
ثم قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى﴾.
أي: فقيراً فأغناك، يقال: عال يعيل عيلة: إذا افتقر، وأعال يعيل: إذا كثر عياله.
وفي مصحف عبد الله: " ووجدك عديماً فأغنى ".
وهذه كلها نعم من الله على النبي ﷺ يذكه بها وينبهه على شكرها ويعددها عليه ليذكرها.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ﴾.
أي: لا تظلمه فتذهب بحقه استضعافاً منك له.
قال قتادة: ﴿فَلاَ تَقْهَرْ﴾: فلا تظلم. وفي مصحف عبد الله: " فلا تكهر ". وقال الأخفش: هما لغتان بمعنى، وقال غيره: معنى [تكهر]: لا تشدد عليه.

صفحة رقم 8327

ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ﴾.
أي: وأما من سألك من ذوي الحاجة فلا تنهره، (ولكن أعطه، أو رده رداً جميلاً. قال مجاهد: " فلا تنهر ": فلا تغضبه.
[قال الحسن: ليس سائل الطعام والشراب، ولكنه سائل العلم إذا أتاك، فأنزل الله كيف، ليفهم عنك وتفهم عنه].
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
قال مجاهد: بنعمة ربك فحدث، أي: بالنبوة التي أعطاكها، فاذكره.
قال [أبو نضرة]: " كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها ".
وفي الحديث: " إن الله يجب أن يرى أثر نعمته على عبده ".

صفحة رقم 8328

فالمعنى: وأما بنعمة ربك يا محمد فحدث الناس بها وأظهرها وأحمد الله عليها، فإن ذلك من الشكر، وهو لفظ خاص للنبي ﷺ، ( عام) في جميع أمته.

صفحة رقم 8329
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية