آيات من القرآن الكريم

الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ
ﭦﭧ ﭩﭪ ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «وَالْفَجْرِ ١» أقسم تعالى بانبلاج الصبح لما فيه من انقضاء الليل وظهور الضوء وانتشار الخلائق في طلب أرزاقها، قال ابن عباس أراد به صلاة الصبح لأنها مفتتح النهار وتشهدها الملائكة مستدلا بقوله تعالى: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الآية ١٨ من سورة الإسراء الآتية والأرجح أن المراد والله أعلم هلال ذي الحجة بدليل اقترانه بقوله «وَلَيالٍ عَشْرٍ ٢» ولا عشر إلا عشر ذي الحجة لما فيها من الفضل العظيم، لأنها أيام الاشتغال بالحج أخرج الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر. قيل يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل جاهد في سبيل الله بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء. وهناك أقوال أخرى بأنها عشر المحرم، أو عشر رمضان الأواخر، أو مطلق فجر، وليست بشيء تجاه هذه لا تصالها بفجر العيد ولتأييدها بالحديث المار ذكره «وَالشَّفْعِ» الذكر والأنثى، والحق والباطل، والإيمان والكفر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاوة، والليل والنهار، والأرض والسماء، والشمس والقمر، والبر والبحر، والنور والظلمة، والجن والإنس، والعزة والذلة، والقدرة والعجز والقوة والضعف، والعلم والجهل، والغنى والفقر، والعمى والبصر، والموت والحياة، وغيرها من كل ما خلق الله «وَالْوَتْرِ ٣» من ذلك كله أو هو يوم عرفة أو يوم النحر وقد جاء في الحديث المروي عن جابر المرفوع الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي أنه يوم النحر ويوم عرفه وجاء في حديث عمران بن حصين حين الذي أخرجه أحمد والترمذي بلفظ حديث غريب أنهما الصلاة شفعها ووترها وإذا صح هذان الحديثان على علة تضاربهما فإنهما لا يخصصان المدلول بل يكونان على طريق التمثيل فيما رؤي بتخصيصه بالذكر فائدة معتمدا بها وعليه فيجوز للمفسر أن يحمل اللفظ على معنى آخر من مشتملاته ومحتملاته لفائدة أخرى «وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ٤» أي سرى فيه من عرفات إلى مزدلفة وهي ليلة النحر وقيل ليلة القدر لأن الناس تقومها، والأول أولى لمناسبة السياق والسباق، وقد حذفت الياء في يسر

صفحة رقم 143

بلا حاذف وأكتفي بالكسرة عنها للدرج. وقد سأل رجل الأخفش عن سقوط هذه الياء، فقال: لا أجيبك حتى تخدمني سنة، ففعل ثم سأله فقال الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فلما عدل في معناه عدل عن لفظه موافقة. ويقال ليل نائم أي ينام فيه وصلّى المقام أي صلّى فيه أنظر رحمك الله فضل العلم من أجل كلمة خدم سنة ألا لمثل هذا فليعمل العاملون، وبه فليتنافس المتنافسون هذا، وإذا أريد مطلق ليل فيصح أيضا على أن يلاحظ نعمة السير فيه للحفظ والوقاية من حر الشمس ومن قطاع الطريق وقطع المسافات ولهذا قيل (عند الصباح يحمد القوم السرى) وجواب القسم محذوف تقديره ليعذبن الكافر ولينعمنّ المؤمن، ثم التفت في الاخبار إلى الخطاب فقال «هَلْ فِي ذلِكَ» المقسم به أيها الناس «قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ٥» عقل أم لا وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه عن النقائص وعقلا لأنه يعقله عن القبائح ونهى لأنه ينهاه عن ما لا يليق وحجى لأنه يحاج به وهذا الاستفهام تقديري أتى به للتأكيد ولا يجاب إلا ببلى أي نعم إن هذه الأقسام فيها مقتنع ومكتفى لمن له لب ويسمى العقل لبا لأنه قلب الشيء وخلاصته وإنما أقسم بتلك الأشياء لما فيها من عجائب ودلائل على كمال قدرته ووحدانيته ثم خاطب حبيبه بقوله «أَلَمْ تَرَ» يا أكمل الرسل وهذا استفهام تقديري أيضا أي ألم تعلم يقينا علما يوازي المعاينة «كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ٦» حيث أهلكهم فلم يبق لهم أثرا ولما كانت عادا أولى وأخيرة وإن الأولى تسمى عاد إرم ليدل منها قوله «إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ٧» يدل عليه قوله في الآية ٥٠ من سورة النجم الآتية (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) فإذا أطلقت عادا دون إرم فالمراد بها الأخيرة والعماد هي السواري والأساطين المرتفعة أي ذات البناء الرفيع المرتكز على على العمد العالية «الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ ٨» أي لم يقدر أحد أن يبني أو يعمل قبلهم ولا بعدهم حتى الآن مثلها وهذه المدن التي نوه الله بعظمتها واقعة بين عمان وحضر موت بأرض رمال قال تعالى (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) الآية ٢١ من سورة الأحقاف ج ٢ والأحقاف هي الرمال

صفحة رقم 144

وما قيل إنها بالإسكندرية أو الشام ينافيه سياق الآيات إلا أن يقال ما هنا يراد به عادا الأولى وما في الأحقاف الأخيرة ويلزم أيضا عدم اتحاد منازلهما لأن بينهما مسافات عظيمة بعيدة عن التوفيق. وفي هذه الآية تخويف للكافرين وهو أنه تعالى الذي أهلك هؤلاء الذين كانوا أشد منكم يا أهل مكة قوة وأكثر أموالا وأولادا قادر على إهلاككم، راجع تفسير الآية ١٥ من قسم السجدة في ج ٢ أي سورة فصلت، وكانوا مع ذلك جسيمين طوالا، قالوا
وسميت ذات العماد لأن عادا كان له ابنان شداد، وشديد، فلما مات شديد خلص الملك إلى شداد ودانت له ملوك الأرض وكان يقرأ الكتب القديمة فلما جاء على ذكر الجنة قال سأبني مثلها فبنى بناية عظيمة في مجارى عدن استغرقت ثلاثمائة سنة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وشجرها من جميع أصناف الأشجار ونسّق فيها الأنهار. وعند ما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته وكانت على مسيرة يوم وليلة فبعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا جميعا، روى وهب بن منبه عن عبد الله ابن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو يسير في مجارى عدن إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، وحول الحصن قصور كثيرة، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا ليسأله عن إبله، فلم ير داخلا فيها ولا خارجا منها، فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه خوفا من أن يصادفه فيها أحد فيقاتله، ودخل من باب المدينة فإذا هو ببابين خطيرين مرصعين بالياقوت الأحمر، فدهش وفتح الباب ودخل فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها وإذا فيها قصور في كل قصر منها غرف فوقها غرف مبنية بالذهب والفضة، ومرصعة بأحجار اللؤلؤ والياقوت، وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضا، وكلها مفروشة باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما عاين ذلك ولم ير أحدا هاله ما رأى ثم نظر الى الأزقة فاذا فيها أشجار مثمرة وتحت الأشجار انهار مطرّدة يجري ماؤها في قنوات من فضة، فقال في نفسه هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤها وترابها وبنادق مسكها وزعفرانها ورجع الى اليمن وأظهر ما كان معه، وحدث بما رأى، فبلغ ت (١٠)

صفحة رقم 145

ذلك معاوية فأرسل اليه فقدم، فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فبعث إلى كعب الأحبار فسأله فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أسقر على حاجبه خال وعلى عقبه خال، يخرج في طلب أبل له، ثم التفت فأبصر من قلابة على الوصف الذي ذكره كعب، وهذه كالسد إذ رآه جماعة زمن الواثق بالله. راجع تفسير الآية ٩٢ من الكهف في ج ٢. هذا وكلما جاء لفظ كعب بلا نسبة فالمراد به هذا، واني لم أنقل عنه ما يتعلق بأمر الدين البته خشية التهمة لأنه متوغل بالكتب القديمة وهو تابعي والتابعيون غيره كثير أكتفى بالنقل عنهم عند الحاجة. قالوا ولما أراد عملها، اخرج جماعة يطوفون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة، فوقفوا على صحراء نقية من التلال فيها عيون ماء وحروج فاختاروها وكان عمر الملك عند بنائها تسعمائه سنة، ولما فرغوا منها قال لهم اجعلوا حولها حصنا وابنوا حوله الف قصر واجعلوا على كل قصر علما ليقيم بها الوزراء ففعلوا، ولما أمر بالنقلة استغرقت نقلتهم عشر سنين ولما قربوا منها عن يوم وليلة اخذتهم الصيحة كما تقدم قال تعالى «وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا» قطعوا «الصَّخْرَ بِالْوادِ ٩» فعل بهم أيضا كما فعل بعاد وهم أول من قطعوا الصخور في الوديان ونحتوه واتخذوا منه مساكن وبيوتا وقالوا انهم بنوا ألفا وتسعمائة مدينة من الحجارة المنحوتة وسنأتي قصتهم مفصلة في تفسير الآية ٧٩ من الأعراف الآتية «وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ١٠» أي الملك الراسخ ذي الجنود الكثيرة الشديد البطش قال الأسود بن يعقر بن عنينة.

ولقد غنوا فيها [بأنواع] النعم في ظل ملك راسخ الأوتاد
وكان إذا عذب أحدا (عذبه الله) ربطه بين أوتاد اربعة ثم أوقع عليه عذابه.
قاتله الله فلذلك سمى من الأوتاد وكانت مضارب (بيوت شعر) يضربونها إذا نزلوا في البادية وخباء كثيرة لكثرة جنده وما يدل على أنه كان يعذب بالأوتاد.
مطلب قصة ما شطة بنت فرعون:
ما رواه البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس أن ماشطة بنت فرعون زوجة حزقيل الذي كان يكتم إيمانه كما سيأتي في الآية ٢٠ من سورة القصص الآتية والآية

صفحة رقم 146
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية