
٧٨ من سورة المؤمن في ج ٢ وكانت هي تكتم إيمانها أيضا بينما كانت تمشط ابنة فرعون إذ سقط من يدها، فقالت تعس من كفر بالله. فقالت بنت فرعون:
وهل إله غير أبي؟ قالت إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له.
فأخبرت أباها بذلك فسألها قالت صدقت فحملها على الكفر فأبت فمدها بين أربعة أوتاد وأرسل عليها الحيات والعقارب، وقال إن لم تكفري عذبتك هكذا شهرا. قالت لو عذبتني سبعين شهرا ما كفرت. فلما رأى إصرارها هددها بذبح أولادها، ولم تفعل، فذبح ابنها الكبير على صدرها وقال إن لم تكفري ذبحت الاخر على فيك، قالت لو ذبحت أهل الأرض ما كفرت. فبادر بذبحه فجزعت فأنطقه الله وقال يا أماه اصبري ولا تجزعي فقد بنى الله لك بيتا في الجنة. فصبرت ولم تلبث ان ماتت رحمها الله، فأسكنها الله الجنة. وهكذا فعل بآسية بنت مزاحم زوجته كما سيأتي في الآية ١١ من سورة التحريم في ج ٣، وصبرت هذه وعذابها أشد من عذاب بلال المار ذكره في الآية ١٠ من سورة والليل المارة، قالوا وبعث رجلين في طلب زوجها فوجدوه يصلي والوحوش وراءه صفوفا، فتركوه وانصرفوا فقال حزقيل اللهم انك تعلم اني كتمت إيماني مائة سنة فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده الى دينك وأيما منهما أظهر علي فعجل عقوبته. فأخبر أحدهما فرعون وكتم الآخر فقتل الذي أخبره وأنعم على الآخر اجابة لدعوته
قال تعالى «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ ١١» وتجبروا على أهلها وارتكبوا انواع المعاصي «فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ ١٢» قتلا ونهبا وسبيا وغصبا وأخذوا ظلما وعدوانا وتعذيبا وتوغلوا في سائر البشر بانواع التعدي وهم يتنعمون بنعم الله، فلما أظهر الله عتوهم وعنادهم للملأ وعلم إصرارهم أزلا وانه أمهلهم ليطلع خلقه على أفعالهم المستحقة لتعذيبهم ولم ينجع بهم ذلك الإمهال حتى قضي أمرهم وحان وقت أخذهم المقدر عنده، جنح الى هلاكهم «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ» يا محمد «سَوْطَ عَذابٍ ١٣» لونا من ألوانه ونوعا من أنواعه، والسوط يشعر بزيادة الألم أي عذبهم عذابا شديدا، كان الحسن إذا قرأ هذه الآية يقول ان عند الله أسواطا كثيرة فأخذهم بسوط منها «إِنَّ رَبَّكَ

لَبِالْمِرْصادِ ١٤»
يرقب أعمال عباده كلها فيرى ويسمع ما يقع منهم لا يفوته شيء لأن المرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد ومن كان عالما بأحوال خلقه لا يفوته شيء من أمرهم، وهذا جواب القسم، والجمل ما بين القسم وجوابه اعتراضية، وقيل جواب القسم محذوف وتقديره ليعذبن الكافر وربّ هذه الأشياء ويجزي كلا بفعله إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال. ابن عطية المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان، ورده ابو حيان بأنه لو كان كما زعم لما دخلت الباء لإنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة، ثم شرع يفصل أحوال خلقه فقال «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ» أختبره وامتحنه «رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ» بالمال والولد والعافية والجاه «وَنَعَّمَهُ» بما وسع عليه من النساء والقصور والبساتين وغيرها من خدم وحشم «فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥» بما أعطاني وفضلني بما اولاني «وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ» ما هذه هنا وفي الآية الأولى وما شابهها في غير القرآن يعدونها زائدة اما في القرآن فتسمى صلة يؤتى بها لتأكيد القول وتحسينه لأن كلام الله مبرأ عن الزيادة كما هو منزه عن النقص وسيأتي لهذا بحث في الآية ١٣٥ من سورة التوبة في ج ٣ «فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ» ضيقه وقلله عن مقدار بلغته وكفايته «فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ١٦» بما افقرني واذلني بما أعوزني. وهذه الآية عامة لتصدرها بلفظ الإنسان فتشمل كل فرد وما قيل انها نزلت في امية بن خلف الحمجي خاصة فعلى فرض صحته لا ينفي عمومها لان العبرة دائما لعموم اللفظ لا لخصوص المعنى أو السبب، لذلك ردّ الله تعالى على من ظن ان سعة الرزق إكرام وضيقه اهانة بقوله «كلّا» اي ليس الأمر كذلك فلا يظن به إذ ليس كل من اعنيته لكرامته ولا كل من أفقرته لاهانته لان الغنى والفقر بحكمتي وتقديري وإنما أكرم المؤمن بطاعته لي وأهين الكافر بمعصيته واني أنعم على عبدي لا ختبره أيشكر نعمتي أم يكفر وأضيق عليه لأمتحنه أيصبر أم يفجر. وليعلم الناس ذلك راجع تفسير الآية ٢٦ من سورة الأنبياء في ج ٢، ولئلا يقولوا كما قال قارون (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) الآية ٧٦ من سورة القصص الآتية مع أنه أوتيه من غير استحقاق