
خبر آخر لوجوه قال فى القاموس حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرهما وقال السجاوندى حامية اى دائمة الحمى والا فالنار لا تكون الا حامية تُسْقى بعد مدة طويلة من استغاثتهم من غاية العطش ونهاية الاحتراق اى سقاها الله او الملائكة بأمره مِنْ عَيْنٍ اى چشمه آب كه آنِيَةٍ اى متناهية بالغة فى الانى اى الحر غايتها لتسخينها بتلك النار منذ خلقت لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت فاذا أدنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم وإذا شربوا قطعت أمعاءهم كما قال تعالى وبين حميم آن يقال انى الحميم انتهى حره فهو آن وبلغ هذا اناه واناه غايته وفيه اشارة الى نار الطبيعة وعين الجهل المركب الذي هو مشرب أهلها والاعتقاد الفاسد المؤذى لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ بيان لطعام الكفار فى النار اثر بيان شرابهم وأورد ضمير العقلاء اشارة الى ان المراد من الوجوه أصحابها وانما أسند إليها ما ذكر من الأحوال لكونها مظهرا يظهر فيه ما فى الباطن مع انها يكنى بها كثيرا عن الذوات والضريع يبيس الشبرق كزبرج وهو شوك ترعاه الإبل مادام رطبا وإذا يبس تحامته وهو سم قاتل قال فى فتح الرحمن سموا ذلك الشوك ضريعا لانه مضعف للبدن ومهزل يقال ضرع الرجل ضراعة ضعف وذل وعن ابن عباس رضى الله عنهما يرفعه الضريع شىء فى النار يشبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار وهذا طعام بعض اهل النار والزقوم والغسلين لآخرين بحسب جرائمهم وبه يندفع التعارض بين هذه الآية وبين آية الحاقة وهى قوله تعالى ولا طعام الا من غسلين قال سعدى المفتى ويمكن فى قدرة الله ان يجعل الغسلين إذا انفصل عن أبدان اهل النار على هئة الضريع فيكون طعامهم الغسلين الذي هو الضريع انتهى. يقول الفقير ويمكن عندى ان يجعل كل من الضريع والغسلين والزقوم بالنسبة الى شخص واحد بحسب الأعمال المختلفة فان لكل عمل اثرا مخصوصا وجزاء متعينا فيصح الحصر وتحقيقه ان الضريع اشارة الى الشبه والعلوم الغير المنتفع بها المؤذية كالمغالطات والخلافيات والسفسطة وما يجرى مجراها على ما قاله القاشاني والغسلين اشارة الى الشهوات الطبيعية ولذا يسيل من أبدانهم فان لكل شهوة رشحا وعرقا وكل اناء يترشح بما فيه والزقوم اشارة الى خوضهم فى الأنبياء والأولياء وطعنهم فى دينهم وضحكهم منهم وكانوا يتلذذون بذلك على ما أشار اليه قوله تعالى وإذا انقلبوا الى أهلهم انقلبوا فكهين اى متلذذين بما فعلوا من التغامز والسخرية ونحو ذلك على ان الزقمة هو الطاعون ووجه آخر وهو انه يمكن الترتيب بالنسبة الى شخص واحد بأن يكون الزقوم نزلاله والضريع أكلا له بعد ذلك والغسلين شرابا له كالحميم والعلم عند الله لا يُسْمِنُ فربه نمى كند آن ضريع وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ودفع نمى كند كرسنكى را.
اى ليس من شأنه الاسمان والإشباع كما هو شأن طعام الدنيا وانما هو شىء يضطرون الى أكله من غير أن يكون له دفع لضرورتهم لكن لا على ان لهم استعدادا للشبع والسمن الا انه لا يفيدهم شيأ منهما بل على انه لا استعداد من جهتهم ولا إفادة من جهة طعامهم

وتحقيق ذلك ان جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما فى هذه النشأة من حالة عارضة للانسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له الى المطعوم والمشروب بحيث يتلذذ بهما عند الاكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما فى المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضامهما بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرارهم النار فى احشائهم الى إدخال شىء كثيف يملأها ويخرج ما فيها من اللهب واما ان يكون لهم شوق الى مطعوم ما او التذاذ به عند الاكل والاستغناء به عن الغير او استفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه فى بطونهم الى شىء مائع بارد يطفئه من غير ان يكون لهم التذاذ بشربه او استفادة قوة به فى الجملة وهو المعنى بما روى انه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم الى أكل الضريع فاذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم الى شرب الحميم فيشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم وتنكير الجوع للتحقير اى لا يغنى من جوع ما وتأخير نفى الإغناء عنه المراعاة الفواصل والتوسل به الى التصريح بنفي كلا الامرين إذ لو قدم لما احتيج الى ذكر نفى الاسمان ضرورة استلزام نفى الإغناء عن الجوع إياه بخلاف العكس ولذلك كرر لتأكيد النفي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ اى ذات بهجة وحسن وضياء مثل القمر ليلة البدر وبالفارسية تازه باشد اثر نعمت درو پيدا. فناعمة من نعم الشيء بالضم نعومة اى صار ناعما لينا ويجوز أن يكون بمعنى متنعمة اى بالنعم الجسمانية والروحانية وهى وجوه المؤمنين فيكون المراد بها حقيقة النعمة وانما لم تعطف على ما قبلها إيذانا بكمال تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية اهل النار لانه ادخل فى تهويل الغاشية وتفخيم حديثها وفيه اشارة الى نعيم اللقاء الذي هو ثمرة اللطافة والنورية التي هى نتيجة التجرد كما قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فان بالنظر الى الرب يحصل نضرة اى نضرة لِسَعْيِها راضِيَةٌ اى لعملها الذي عملته فى الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميدة فاللام متعلقة براضية والتقدير راضية سعيها فلما تقدم المعمول على العامل الضعيف جيئ باللام لتقوية العمل ويجوز أن تكون لام التعليل اى لاجل سعيها فى طاعة الله راضية جزاءها وثوابها ودخل فى السعى الرياضات والمجاهدات والخلوات فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ اى كائنة او متمكنة فى جنة مرتفعة المحل فان الجنات فوق السموات العلى كما ان النيران تحت الأرضين السبع وايضا هى درجات بعضها أعلى من بعض والدرجة مثل ما بين السماء والأرض فتكون من العلو فى المكان وفى الحديث (ان المتحابين فى الله فى غرف ينظر إليهم اهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا الى كواكب السماء) ويجوز أن يكون معنى عالية علية المقدار فتكون من العلو فى القدر والشرف لتكامل ما فيها من النعيم وفيه اشارة الى المقامات العالية المعنوية لانها مقامات اهل الوجاهة والشرف المعنوي فلا يصل إليها أهل التمني والدعوى لا تَسْمَعُ أنت يا مخاطب فالخطاب عام لكل من يصلح له او الوجوه فيكون التاء للتأنيت لا للخطاب فِيها اى فى تلك الجنة العالية لاغِيَةً لغوا من الكلام وهو ما لا يعتد به فهى مصدر كالعافية او كلمة ذات لغو على انها للنسبة او نفسا تلغو على انها اسم فاعل صفة لموصوف
صفحة رقم 414