
والإقرار والعمل، استدلوا بهذه الآية: زادَتْهُمْ إِيماناً وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب بزيادة الأعمال الصالحة، ولو كان الإيمان عبارة عن المعرفة والإقرار، لما قبل الزيادة. واستدلوا على أن الإيمان هو مجموع الأركان الثلاثة بقوله تعالى في تعداد أوصاف المؤمنين: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وهو يدل على أن كل تلك الخصال داخل في مسمى الإيمان. ويؤيده
الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
كراهية بعض المؤمنين قتال قريش في بدر
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥ الى ٨]
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
الإعراب:
كَما أَخْرَجَكَ الكاف للتشبيه، وفيها ثلاثة أوجه:
الأول- أنها في موضع نصب على أنه صفة لمصدر محذوف دلّ عليه الكلام، وتقديره: قل:
الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا كما أخرجك ربك. فمحل الكاف صفة مصدر الفعل المقدر في قوله:
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي الأنفال تثبت لله والرسول عليه الصلاة والسّلام مع كراهتهم، ثباتا مثل ثبات إخراجك رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ، يعني المدينة، مع كراهتهم.
الثاني- أن تكون صفة لمصدر محذوف، وتقديره: يجادلونك جدالا كما أخرجك.

الثالث- أن يكون وصفا لقوله: حَقًّا، وتقديره: أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك.
وذكر الزمخشري وجها آخر وهو أن يرتفع محل الكاف على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره:
هذا الحال كحال إخراجك، يعنى أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهتهم خروجك للحرب. وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ الجملة حال من كاف:
أَخْرَجَكَ.
وَإِذْ يَعِدُكُمُ إذ: متعلق ومنصوب بفعل مقدر، تقديره: واذكر يا محمد إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم. وإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: مفعول ثان ليعد، والمفعول الأول كاف يَعِدُكُمُ. وأَنَّها لَكُمْ: بدل من قوله: إِحْدَى، وهو بدل اشتمال، تقديره: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ أن ملك إحدى الطائفتين لكم، ولا بد من تقدير حذف المضاف لأن الوعد إنما يقع على الأحداث لا على الأعيان. لِيُحِقَّ الْحَقَّ متعلق بمحذوف تقديره: يفعل ما فعل.
البلاغة:
كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ تشبيه تمثيلي.
أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بينهما جناس اشتقاق.
ذاتِ الشَّوْكَةِ استعارة، استعار الشوكة للسلاح بجامع الشدة والحدة والوخز بينهما.
وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ كناية عن استئصالهم بالهلاك.
المفردات اللغوية:
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ القتال. بَعْدَ ما تَبَيَّنَ ظهر لهم. وَهُمْ يَنْظُرُونَ إليه عيانا في كراهتهم له. إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ العير الآتية من الشام أو النفير التي جاءت من مكة للنجدة.
وَتَوَدُّونَ تريدون. الشَّوْكَةِ البأس والسلاح الذي فيه الحدة والقوة، وغَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ هي العير. تَكُونُ لَكُمْ لقلة عددها وعددها بخلاف النفير. يُحِقَّ الْحَقَّ يظهره.
بِكَلِماتِهِ السابقة، بظهور الإسلام. وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ يستأصل آخرهم الذي يأتي من ورائهم، لذا أمرهم بقتال النفير. ولِيُحِقَّ الْحَقَّ يعز الإسلام لأنه الحق. وَيُبْطِلَ الْباطِلَ يمحق الكفر والشرك ويزيله. وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ المشركون ذلك.

سبب النزول: نزول الآية (٥) :
كَما أَخْرَجَكَ:
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ونحن بالمدينة، وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت: ما ترون فيها، لعلّ الله يغنمناها ويسلمنا؟ فخرجنا، فسرنا يوما أو يومين، فقال: ما ترون فيهم؟ فقلنا: يا رسول الله، ما لنا طاقة بقتال القوم، إنما خرجنا للعير، فقال المقداد: لا تقولوا كما قال قوم موسى:
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، فأنزل الله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ.
المناسبة:
تتضح المناسبة بين هذه الآيات وبين ما قبلها من الكاف في كَما أَخْرَجَكَ الذي يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج، وأحسن وجوه الربط تشبيه كراهية الصحابة لحكم الأنفال وإن رضوا به، بكراهيتهم لخروجك من بيتك بالحق إلى القتال في بدر، فهم رضوا بحكم الأنفال، ولكنهم كانوا كارهين له، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى القتال، وإن كانوا كارهين له.
وفي وجه آخر: الأنفال ثابتة لك، مثل إخراجك ربك من بيتك بالحق، والمعنى: امض لأمرك في الغنائم ونفّل من شئت، وإن كرهوا.
وقيل: كَما أَخْرَجَكَ متعلق بقوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ والمعنى: هذا الوعد للمؤمنين حق في الآخرة، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الواجب له، فأنجزك وعده، وأظفرك بعدوك، وأوفى لك، فكما أنجز هذا الوعد في الدنيا، كذا ينجزكم ما وعدكم به في الآخرة.

أضواء من السيرة على موقعة بدر:
هاجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وصحبه الذين آمنوا به من مكة إلى المدينة، بسبب اشتداد أذى قريش لهم، وترك المسلمون أموالهم وأرضهم وديارهم للمشركين في مكة.
فلما سمع رسول الله بأن قافلة لقريش محملة بالمؤن والأموال الكثيرة بزعامة أبي سفيان، قادمة من الشام، مع أربعين نفرا من قريش، انتدب المسلمين إليهم، وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعلّ الله أن ينفّلكموها. فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، واتجهوا نحو ساحل البحر على طريق بدر.
وكان أبو سفيان قد بعث حين دنا من الحجاز من يتجسس الأخبار، فعلم بخروج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في طلبه، فبعث ضمضم بن عمرو الغفاري نذيرا إلى أهل مكة، يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها مع أصحابه، فنهضوا قريبا من ألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر (طريق الشاطئ) محاذيا له، فنجا بالعير والتجارة، وجاء النفير، فوردوا ماء بدر، وذلك بعد أن جمعوا جموعهم، واستنفر أبو جهل الناس من فوق الكعبة قائلا: النجاء، النجاء، على كل صعب وذلول، عيركم وأموالكم، إن أصابها محمد فلن تفلحوا أبدا.
وخرج أبو جهل على رأس النفير، وهم أهل مكة، ثم قيل له: إن العير أخذت طريق الساحل، ونجت، فارجع بالناس إلى مكة، فقال: لا، والله، لا يكون ذلك أبدا، حتى ننحر الجزور، ونشرب الخمور، وتعزف القيان ببدر، فيتسامع جميع العرب بنا، وبخروجنا، وأن محمدا لم يصب العير.
فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الناس بما حدث واستشارهم
، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال:
يا رسول الله، امض لما أمرك الله به، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت

بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة ٥/ ٢٤] ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد (مدينة باليمن) لجالدنا معك من دونه، حتى نبلغه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خيرا، ودعا له بخير.
وقال الأنصار: فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم.
ثم قال الرسول: «أشيروا علي أيها الناس» وكأنه يريد الأنصار، إذ كانت بيعة العقبة معهم أن ينصروه ويدافعوا عنه في دارهم بالمدينة، وتخوّف ألا ينصرونه خارج المدينة، كما شرطوا ذلك في عهدهم، فقال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، فقال: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق، لئن استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله. فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقول سعد، ونشّطه ذلك ثم قال:
«سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين: العير القادمة من الشام، وعلى رأسها أبو سفيان، أو النفير الآتي من مكة، لنجدتهم، وعلى رأسهم أبو جهل، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» «١».

التفسير والبيان:
إن حال الصحابة في كراهة تنفيل المقاتلة وقسمة الغنائم بالسوية مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب من بيتك بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها موضع هجرته ومسكنه، أو لأن بيته فيها، وكان إخراجا بالحق، أي متلبسا بالحكمة والصواب، وكان فريق من المؤمنين يكرهون الخروج، لعدم استعدادهم للقتال، لذا فإنه أخرجك في حال كراهيتهم الخروج، فالتشبيه بين الحالتين في مطلق الكراهة لأن بعض المسلمين في بدر كرهوا أمرين:
أولهما- كرهوا قسمة الغنيمة بينهم بالتساوي، وكانت تلك الكراهة من الشبان فقط لأنهم هم الذين قاتلوا وغنموا.
وثانيهما- كرهوا قتال قريش لأنهم خرجوا من المدينة بقصد الغنيمة ولم يستعدوا للقتال.
ولكن الله تعالى قال لهم في الأمرين: كما أنكم اختلفتم في المغانم وتنازعتم فيها، فانتزعها الله منكم، وجعل قسمتها على يد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، فقسمها على العدل والتسوية، فكان هذا هو المصلحة التامة لكم، كذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء وقتال ذات الشوكة وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم، وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد، رشدا وهدى، ونصرا وفتحا.
والنتيجة من الأمرين: أن امتثال أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في كل منهما هو الخير والمصلحة والرشاد.
يجادلك المؤمنون في الحق والرأي السديد وهو تلقي النفير، لإيثارهم عليه أخذ العير، بسبب قلة الرجال وكثرة المال، والخوف من قتال المشركين الأكثر عددا وعددا، يجادلونك بعد ما تبين لهم الحق وظهر الصواب، بإخبارك أنهم

سينتصرون على كل حال، وأن الله وعدك إحدى الطائفتين: العير أو النفير، وبما أن العير قد نجت، فلم يبق إلا النفير، ولا داعي للقول بأننا لم نستعد للقتال، ولا وجه للجدل بعد ما تبين الحق وهو إعلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بأنهم ينصرون، وحينئذ لا عذر لهم إلا خوفهم من القتال وجبنهم عن مقابلة الأعداء.
ثم شبّه حالهم في فرط فزعهم ورعبهم، وهم سائرون إلى الظفر والغنيمة بحال من يساق صاغرا إلى الموت المتيقن، وهو مشاهد أسبابه، ناظر إليها، لا يشك فيها.
لكن الله تعالى وعد رسوله والمؤمنين بالنصر، ووعده لا يتخلف، أما الحساب الظاهري لميزان القوى، فكثيرا ما يظهر عكسه، إذ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ.
واذكروا حين وعدكم الله ملك إحدى الطائفتين: العير أو النفير، لكي تكون السلطة والغلبة لكم.
وتتمنون أن تكون غير ذات الشوكة أي السلاح والقوة والمنعة وهي العير (القافلة) لكم لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا. وقد عبر عنها بذلك تعريضا لكراهتهم القتال وطمعهم في المال. والشوكة كانت في النفير لكثرة عددهم وتفوق عدتهم وأسلحتهم.
ويريد الله لكم غير هذا وهو مقابلة النفير الذي له الشوكة والقوة، لينهزم المشركون، وينتصر المؤمنون، ويثبت الله الحق ويعليه بكلماته، أي بآياته المنزلة على رسوله في محاربة المشركين ذوي الشوكة، وبما أمر الملائكة من نزولهم لنصرة المسلمين، وبما قضى من أسرهم وقتلهم، وطرحهم في قليب (بئر) بدر.
ويريد الله أن يهلك المعاندين، ويستأصل شأفة المشركين، ويمحق قوتهم، ويبدد آثارهم.

وقد فعل الله ما فعل، ووعد بما وعد، وأنجز النصر للمؤمنين، ليحق الحق، أي يثبت الإسلام ويظهره، ويبطل الباطل أي يمحق الكفر والشرك ويزيله، وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ، أي المعتدون الطغاة. ولا يكون ذلك بمجرد الاستيلاء على العير، بل بقتل أئمة الكفر وزعماء الشرك.
وبما أن الحق حق لذاته، والباطل باطل لذاته، وما ثبت للشيء لذاته، فإنه يمتنع تحصيله بجعل جاعل، فيكون المراد من تحقيق الحق وإبطال الباطل إظهار كون ذلك الحق حقا، وإظهار كون ذلك الباطل باطلا، إما بإظهار الدلائل والبينات، وإما بتقوية رؤساء الحق، وقهر رؤساء الباطل.
وليس هذا تكريرا لما سبق من إحقاق الحق لأن المعنيين متباينان لأن الأول لبيان مراد الله وأن هناك تفاوتا بينه وبين مرادهم، أي الصحابة، والثاني بيان الداعي والغرض فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها، وأنه ما نصرهم ولا خذل أولئك إلا لهذا الغرض، وهو التغلب على صاحبة القوة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
١- الخير والمصلحة فيما أمر الله به، وليس فيما يرى الإنسان، فقد يرى ما هو ضار نافعا، وما هو نافع ضارا.
٢- فعل العبد بخلق الله تعالى في رأي أهل السنة، بدليل قوله تعالى:
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ فإنه روي أنه صلّى الله عليه وآله وسلم إنما خرج من بيته باختيار نفسه، ثم إنه تعالى أضاف ذلك الخروج إلى نفسه، ليدل على أنه خالق أفعال العباد.

والمعنى عند المعتزلة: أنه حصل ذلك الخروج بأمر الله تعالى وإلزامه، فأضيف إليه. لكن هذا مجاز، والأصل حمل الكلام على الحقيقة.
وتمسك أهل السنة أيضا في مسألة خلق الأفعال بقوله تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي أنه يوجد الحق ويكونه، والحق ليس إلا الدين والاعتقاد، فدلّ هذا على أن الاعتقاد الحق لا يحصل إلا بتكوين الله تعالى وخلقه.
وتمسك المعتزلة بعين هذه الآية على صحة مذهبهم، فقالوا: هذه الآية تدل على أنه تعالى إنما يريد أبدا تحقيق الحق وإبطال الباطل، وأنه لا صحة لقول من يقول: إنه لا باطل ولا كفر إلا والله تعالى مريد له.
وردّ أهل السنة على ذلك بأن المقرر في أصول الفقه أن المفرد المحلى بالألف واللام ينصرف إلى المعهود السابق، أي أنه تعالى أراد تحقيق الحق وإبطال الباطل في هذه الصورة.
٣- الحق حق أبدا، ولكن إظهاره تحقيق له لأنه إذا لم يظهر أشبه الباطل. والإسلام هو الحق، وهو الذي يريد الله إظهاره وإعزازه، كما قال تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف ٦١/ ٩] وقال: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ، فَإِذا هُوَ زاهِقٌ [الأنبياء ٢١/ ١٨].
٤- لا قرار للباطل، ولكن لا بد من إبطاله وإعدامه، كما أن إحقاق الحق إظهاره، والكفر والشرك هو الباطل، فيريد الله استئصال أهله الكافرين بالهلاك.
٥- أراد الله في بدر أن يجمع بين المؤمنين القلّة وبين الكافرين الكثر أهل الشوكة والقتال، لينصرهم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالبا على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الذي يحسن التدبير لعباده