
﴿ذلك﴾ الخ استئنافٌ مَسوقٌ لتعليلِ ما يفيد النظمُ الكريمُ من كون ما حلَّ بهم من العذاب منوطاً بأعمالهم السيئةِ غيرَ واقعٍ بلا سابقةِ ما يقتضيه وهو المشارُ إليه لا نفسُ ما حلَّ بهم من العذاب والانتقام كما قيل فإنه مع كونه معللاً بما ذُكر من كفرهم وذنوبِهم لا يتصور تعليلُه بجريان عادتِه تعالى على عدم تغييرِ نعمتِه على قوم قبل تغييرِهم لحالهم وتوهُّمِ أن السببَ ليس ما ذُكر كما هو منطوقُ النظم الكريم بل ما يستفاد من مفهوم الغايةِ من جريان عادتِه تعالى على تغيير نعمتِهم عند تغييرِ حالِهم بناءً على تخيل أن المعلِّلَ ترتبَ عقابِهم على كفرهم من غير تخلُّف عنه ركوبٌ شططٌ هائل وإبعادٌ عن الحق بمراحلَ وتهوينٌ لأمر الكفر بآيات الله وإسقاطٌ له عن رتبة إيجابِ العقاب في مقام تهويله والتحذيرِ منه فالمعنى ذلك أي ترتبُ العقاب على أعمالهم السيئة دون أن يقع ابتداءً مع قدرتِه تعالى على ذلك
﴿بِأَنَّ الله﴾ أي بسببِ أنَّه تعالى
﴿لَمْ يَكُ﴾ في حد ذاتِه
﴿مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا﴾ أي لم ينْبغِ له سبحانه ولم يصِحَّ في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمةً أنعم بها
﴿على قَوْمٍ﴾ من الأقوام أيَّ نعمةٍ كانت جلّت أو هانت
﴿حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستِهم بالنعمة ويتصفوا بها ينافيها سواءٌ كانت أحوالُهم السابقةُ مرضيةً صالحة أو قريبةً من

الصلاحِ بالنسبة إلى الحادثة كدأب هؤلاءِ الكفرةِ حيث كانوا قبل البعثةِ كفَرةً عبدةَ أصنامٍ مستمرِّين على حالة مصحِّحة لإفاضة نعمةِ الإمهال وسائر النعمِ الدنيوية عليهم فلما بُعث إليهم النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم بالبينات غيّروها إلى أسوأَ منها وأسخطَ حيث كذبوه ﷺ وعادوه ومن تبِعه من المؤمنين وتحزّبوا عليهم يبغونهم الغوائلَ فغيّر الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الإمهالِ وعاجلَهم بالعذاب والنَّكال وأصلُ يكُ يكن فحذُفت النونُ تخفيفاً لشبهها بالحروف اللينة
﴿وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ عطفٌ على أنَّ الله الخ داخلٌ معه في حيزِ التعليل أي وبسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميعَ ما يأتون وما يذرون من الأقوال والأفعالِ السابقةِ واللاحقة فيرتب على كلَ منها ما يليق بها من إبقاء النعمة وتغييرها وقرئ وإن الله بكسر الهمزةِ فالجملةُ حينئذٍ استئنافٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلها وقوله تعالى
سورة الأنفال من الآية (٥٤)