آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ

فشل ولا منازعة (١) يريد الاختلاف
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾، قال ابن عباس: يريد: عصمكم (٢) كأنه يريد: سلمكم من المخالفة فيما بينكم، وقال ابن عباس أيضًا: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم (٣).
[وقال أبو روق: سلم: أتم أمرهم بالظفر على عدوهم (٤)] (٥).
وقال الكلبي: ولكن الله سلمكم من الهزيمة يوم بدر (٦).
والأظهر أن المعنى: ولكن الله سلمكم من التنازع والفشل على ما حكينا عن ابن عباس أولاً.
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، قال ابن عباس: علم ما في صدوركم من اليقين والحب لله والطاعة لرسوله (٧)، قال الكلبي: أي لما في صدور المؤمنين من أمر عدوهم (٨).
٤٤ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ﴾ إن قلنا في الآية الأولى إنه أراهم النبي - ﷺ - في المنام فهذه الثانية كررت لأنها في اليقظة، وإن قلنا أن

(١) ذكره مختصرًا المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٤٦٣، وانظر بعض معناه في: "تنوير المقباس" ص ٤٨٢.
(٢) رواه بمعناه ابن أبي حاتم ٥/ ١٧٠٩، وذكره كذلك القرطبي ٨/ ٢٢.
(٣) رواه ابن جرير ١٠/ ١٣، والثعلبي ٦/ ٦٤ أ، وابن أبي حاتم ٥/ ١٧٠٩.
(٤) رواه ابن أبي حاتم ٥/ ١٧١٠ مختصرًا عن أبي روق، عن ابن عباس، وذكره القرطبي ٨/ ٢٢ ولم يعين القائل.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (س).
(٦) لم أقف عليه.
(٧) رواه البغوي ٣/ ٣٦٣ مختصراً.
(٨) رواه بمعناه مختصراً الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ١٨٢، عن الكلبي، عن ابن عباس.

صفحة رقم 177

الأولى كانت في اليقظة على ما حكينا عن ابن جريج والحسن، فهذه الثانية كررت لأن النبي - ﷺ - أفرد في الأولى بالذكر وعمم هو وأصحابه في هذه، وهذا الذي ذكرنا معنى قول ابن الأنباري وأبي إسحاق (١).
قال أبو إسحاق: هذه رؤية الإلتقاء، وتلك رؤية النوم، وعلى مذهب الحسن: الأول خطاب للنبي - ﷺ - والثاني خطاب له ولجميع من شاهد الحرب (٢).
وقوله تعالى: ﴿فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا﴾، قال مقاتل: لما التقوا ببدر قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين تصديقًا لرؤيا رسوله (٣).
وقال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلاً (٤) فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا! (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾، قال ابن عباس: ليجترؤا عليكم ولا ينهزموا ولا يرجعوا عن قتالكم (٦)، كما قال أبو جهل ذلك اليوم: إنما محمد وأصحابه أكلة جزور (٧)، خذوهم أخذًا واربطوهم

(١) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" لأبي إسحاق الزجاج ٢/ ٤١٩، ولم أقف على قول ابن الأنباري.
(٢) المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة، وقد تصرف الواحدي في النص المنقول.
(٣) "تفسير مقاتل" ل ١٢٢ أ.
(٤) في (م): (رجلاً منهم).
(٥) رواه ابن جرير ١٠/ ١٣، وابن أبي شيبة في "المصنف" ١٤/ ٣٧٤، وابن أبي حاتم ٥/ ١٧١٠.
(٦) روى نحوه مختصرًا الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ١٨٢، وسنده واهٍ، وانظر: "الوسيط" ٢/ ٤٦٣.
(٧) يعني الناقة الواحدة تكفيهم طعامًا لقلتهم.

صفحة رقم 178

بالحبال (١)، قال الكلبي: استقل المؤمنون المشركين والمشركون المؤمنين ليجترئ بعضهم على بعض (٢).
قال أبو بكر بن الأنباري: إنه قلل المؤمنين في عيون الكافرين ليغتروا بقتلهم فلا يتأهبوا لملاقاتهم ولا يلبسوا من السلاح ما يمنعهم، فإذا لابسهم المسلمون ألفوهم غير مستعدين فظفروا بهم (٣)، وقيل: إنه قللهم في أعينهم ليحملوا عليهم من غير جبن فيغلبهم المسلمون في قلة عددهم عندهم فيكون ذلك آية للمشركين، ومنبهًا لهم على نفاذة قدرة الله تعالى (٤).
فإن قيل: ما المعنى الذي به قللوا في أعينهم مع رؤيتهم لهم؟ قيل: لطف من ألطاف الله تعالى صدهم به عن رؤية الجميع بحيث ستر بعضهم دون بعض (٥).
وقال بعض المفسرين: تقليل المسلمين في أعين المشركين كان في أول الأمر فلما نشب القتال وحمي الوطيس (٦) كثُر المسلمون في أعينهم (٧)،

(١) رواه ابن جرير ١٠/ ١٤، عن السدي، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ١٤/ ٣٦١، عن عكرمة.
(٢) رواه الثعلبي ٦/ ٦٤ ب، والبغوي ٣/ ٣٦٤، وذكره ابن الجوزي ٣/ ٥٦٤، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
(٣) لم أقف عليه، وقد ذكره بلا نسبة ابن الجوزي ٣/ ٣٦٤.
(٤) انظر: "زاد المسير" ٣/ ٣٦٤.
(٥) ذهب الزمخشري أيضًا إلى هذا التعليل، انظر: "الكشاف" ٢/ ١٦١، ولا داعي له، إذ لا شك في قدرة الله على تقليلهم بغير هذا السبب.
(٦) الوطيس: كلمة تطلق على المعركة والتنور والحجارة المدورة والضراب في الحرب ووطء الخيل والإبل، وقولهم: حمي الوطيس. عبارة عن اشتباك الحرب وشدتها وقيامها على ساق. انظر: "لسان العرب" (وطس) ١/ ٤٨٦٦.
(٧) ذكر معنى ذلك الزمخشري ٢/ ١٦١، وابن كثير ٢/ ٣٤٩، وأبو حيان ٤/ ٥٠٢.

صفحة رقم 179

وذلك قوله تعالى: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ [آل عمران: ١٣].
وقوله تعالى: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾، قال ابن عباس: يريد ما وعد النبي - ﷺ - وهو بمكة وبعدما هاجر (١)، وكذلك سبق في علمه في اللوح المحفوظ.
وقال الكلبي: كان مفعولًا في علمه بنصر الإسلام وأهله وذل الشرك وأهله (٢)، وقال ابن إسحاق: ﴿كَانَ مَفْعُولًا﴾ [في علمه] (٣) للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد النعمة عليه (٤).
وقال بعض أهل المعاني: إنما كرر: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [لآن معناه في الأول: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ﴾، ﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾] (٥) من الالتقاء على الصفة التي حصلتم عليها، ومعناه في الثاني: يقلل كل فريق في عين صاحبه ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا من إعزاز الدين وأهله (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾، قال ابن عباس: وبعد هذا إليّ مصيركم فأكرم أوليائي وأعاقب أعدائي (٧).

(١) لم أجد من خرّج هذا القول، ومعناه: أن الله تعالى وعد رسوله بنصره وهزيمة أعدائه وهو في مكة كما قال تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، ثم حقق هذا الوعد بعد ما هاجر إلى المدينة، انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٤٣٤.
(٢) رواه الثعلبي ٦/ ٦٤ ب، وبنحوه البغوي ٣/ ٣٦٤.
(٣) من (م).
(٤) "السيرة النبوية" ٢/ ٣١٩، و"تفسير ابن جرير" ١٠/ ١٤.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (س).
(٦) لم أقف عليه عند أهل المعاني، وقد ذكر نحوه الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٧٠.
(٧) "الوسيط" ٢/ ٤٦٣.

صفحة رقم 180
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية