
يقول تعالى لنبيه محمد ﷺ :﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ ﴾ أي عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يغفر لهم ما قد سلف : أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم، كما جاء في « الصحيح » :« من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالاول والآخر » وفي الصحيح أيضاً، أن رسول الله ﷺ قال :« الإسلام يجبُّ ما قبله والتوبة تجبُّ ما كان قبلها » وقوله :﴿ وَإِنْ يَعُودُواْ ﴾ أي يستمروا على ما هم فيه، ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ﴾ : أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة، قال مجاهد في قوله :﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ﴾ أي في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم، وقوله تعالى :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله ﴾، قال البخاري عن ابن عمر : أن رجلاص جاء فقال : يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾ [ المؤمنين : ٩ ] الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال : يا ابن أخي أعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن أعيّر بالآية التي يقول الله، قال عزَّ وجلَّ :﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ﴾ [ النساء : ٩٣ ] إلى آخر الآية. قال فإن الله تعالى يقول :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾، قال ابن عمر : قد فعلنا على عهد رسول الله ﷺ إذ كان الإسلام قليلاً، وكان الرجل يفتن في دينه، إما أن يقتلوه وإما أن يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد، قال : فما قولكم في علي وعثمان؟ قال ابن عمر : أما عثمان فكان الله قد عفا عنه وكرهتم أن يعفو الله عنه، وأما علي فابن عم رسول الله ﷺ وختنه وأشار بيده، وهذه ابنته أو بنته حيث ترون. وأتى رجلان في فتنة ابن الزبير إلى ابن عمر فقالا : إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول الله ﷺ فما يمنعك أن تخرج؟ قال : يمنعني الله أن حرم عليَّ دم المسلم، قالوا : أولم يقل الله :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله ﴾ قال : قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله.
وقال الضحاك عن ابن عباس :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ يعني لا يكون شرك.

وقال عروة بن الزبير :﴿ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ حتى لا يفتن مسلم عن دينه، وقوله :﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله ﴾، وقال الضحاك عن ابن عباس : يخلص التوحيد لله؛ وقال الحسن وقتادة : أن يقال لا إله إلا الله، أن يكون التوحيد خالصاً لله فليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن أسلم :﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله ﴾ لا يكون مع دينكم كفر، ويشهد لهذا ما ثبت في « الصحيحين » عن رسول الله ﷺ أنه قال :« أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عزَّ وجلَّ » وقوله :﴿ فَإِنِ انْتَهَوْاْ ﴾ عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه، وإن لم تعلموا بواطنهم ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾، كقوله :﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] الآية. وفي الآية الأخرى :﴿ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين ﴾ [ التوبة : ١١ ]، وقال :﴿ فَإِنِ انتهوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين ﴾ [ البقرة : ١٩٣ ]. وفي الصحيح « أن رسول الله ﷺ قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف، فقال لا إله إلا الله فضربه فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى عليه وسلم، فقال لأسامة :» أقتلته بعدما قال لا إلا إلا الله؟ وكيف تصنع بلا إلا الله يوم القيامة «؟ فقال : يا رسول الله إنما قالها تعوذاً، قال :» هلا شققت عن قلبه «، وجعل يقول ويكرر عليه :» من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة «؟ قال أسامة : حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ »، وقوله :﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير ﴾ أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم ﴿ فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ ﴾ سيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير.
صفحة رقم 977