آيات من القرآن الكريم

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة، فذلك قوله: (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
ثم قال: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا... (١٢)
الوحي وكان يسمى وحيا لسرعة قذفه في القلوب ووقوعه فيها؛ ولذلك سمى - واللَّه أعلم - وساوس الشيطان: وحيًا بقوله: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ) أي: يقذفون في قلوبهم، ويدعونهم إلى أشياء من غير أن علموا بذلك أنه ممن جاء ذلك، وما سبب ذلك؛ لسرعة قذفه ووقوعه في القلوب، وكذلك سمى الإلهام وحيًا لسرعة وقوعه في القلوب؛ قال - تعالى -: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).
وقيل: هو الإلهام؛ أي: ألهم النحل لتتخذ من الجبال بيوتًا، وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)، أخبر أن ليس له أن يكلمه إلا وحيًا، وهو ما ألهمه، سمى وحيًا لسرعة وقوعه في القلب وقذفه أفيه، على غير علم منهم أنه من أين كان؟ ومم كان.
وفيه دلالة أن غيرًا هو الذي أخطر ذلك في القلوب وقذفه فيها، لا أنه يحدث ذلك بنفسه على غير إخطار أحد ولا قذفه، فإن كان ما قذف فيه خيرًا فهو من الملك، وإن كان شرًّا فهو من قذف الشيطان ووسوسته؛ ففيه دليل ثبوت الملك والشيطان، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنِّي مَعَكُمْ).
قيل: إني معكم، في النصر، والمعونة، ودفع العدو عنكم.
أو يقول: إني معكم في التوفيق.

صفحة رقم 163

ويحتمل أن يكون قوله: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ) أي: أخبر المؤمنين أني معكم بما ذكرنا من النصر والمعونة والدفع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا).
أمر ملائكته أن يثبتوا الذين آمنوا بالنصر لهم والأمن، بعد ما كانوا خائفين فشلين جبنين لما أجابوا ربهم، مع ضعف أبدانهم، وقلة عددهم، فأبدلهم اللَّه مكان الخوف لهم أمنًا، ومكان الضعف القوة والنصر، ومكان الذل العز، وأبدل المشركين مكان الأمن لهم خوفًا، ومكان العز الذل، ومكان الكثرة الضعف والفشل؛ فذلك - واللَّه أعلم - قوله: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).
وقوله: (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا).
جائز أن يكون نفس نزول الملائكة تثبيتهم؛ لأنهم سبب تثبيتهم، أو ثبتهم من غير أن علم المؤمنون بهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ).
قال قائلون: قوله: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ) إذا ظفروا بهم ووقعوا في أيديهم، فعند ذلك يضرب فوق الأعناق، وهو الفصل الذي يبين الرأس بالضرب؛ لما نهى عن المثلة، وفي الضرب في غير ذلك مثلة.
ويحتمل قوله: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ)، أي: اضربوا الأعناق وما فوق الأعناق.
(وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) معناه - واللَّه أعلم - أي: اضربوا على ما تهيأ لكم من الأطراف وغيرها.
وأما قوله: (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) في الحرب؛ لأنه لا سبيل في الحرب إلى أن يضرب ضربًا لا يكون مثلة؛ فكأنه قال: فاضربوا فوق الأعناق إذا قدرتم عليهم ووقعوا في أيديكم، (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) كيفما تقدرون، وحيثما تقدرون، واللَّه أعلم.

صفحة رقم 164
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية