
قال: لأن الله تعالى، وعد إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك. قال: " صَدَقْتَ ".
قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
قرأ عيسى بن عمر: " إنِّي مُمِدُّكُم "، أي: قال: إني ممدكم.
ومن قرأ: ﴿مُمِدُّكُمْ﴾، بفتح الدال، يجوز أن يكون نصباً على الحال من الضمير في: ﴿مُرْدِفِينَ﴾.
وقيل: هو في موضع خفض نعت ل: " ألف ".

ومن كسر الدال فمعناه: يُرْدِف بعضهم بعضاً، أي: يتبع بعضهم بعضاً. يقال: رَدِفْتُهُ وأَرْدَفْتُهُ: إذا تَبِعْته.
وأنكر أبو عبيد أن يكون/ المعنى: يُرْدِف بعضهم بعضاً، أي: يحمله خَلْفَهُ، ودفع قراءة الكسر على هذا التأويل.

والوجه أنهم يتبعون بعضهم بعضاً في الإتيان لا في الركوب، وقد رُوي عن ابن عباس أنه قال: وَرَاءَ كُلِّ مَلِكٍ مَلَكٌ.
فمعنى الكسر: أَنَّ الملائكة يُرْدِفُ بعضها بعضاً، أي: يتبع.
ومعنى الفتح: أن الله أَرْدَفَ بهم المؤمنون.
حكى سيبويه " مُرَدِّفينَ ": بفتح الراء، وتشديد الدال وكسرها.
وأصله: " مُرْتدِفِينَ "، ثم أدَغم " التاء " في " الدال " بعد أن ألقى حركتها

على " الراء ".
وحكى أيضاً: " مُرِدِفِّينَ " بكسر الراء، على أنه " مُرْتَدِفِينَ " أيضاً، لكن أدغم وكسر الراء لالتقاء الساكنين، ولم يلق عليها حركة " التاء ".
ومعنى الآية: ﴿لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل﴾ [الأنفال: ٨]، ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾، أي: حين ذلك، أي تستجيرون به من عدوكم، ﴿فاستجاب﴾ ربكم ﴿لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾، أي: بأني ﴿مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة﴾ يردف بعضهم بعضاً، أي: يتلوا. وَرُوِيَ عن

عاصم: " آلفٌ "، على وزن " أَفْعُلٍ ".
قال ابن عباس: لمَّا اصطفَّ القوم، قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره! ورفع النبي ﷺ، يده وقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً.
قال السدي: فاستجاب الله، تعالى، له ونصره بالملائكة، وذلك يوم بدر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ، لما نظر النبي ﷺ، إلى المشركين وَهم ألفٌ، وأصحابه ثلاث مائة وبضعة عشر، استقبل القبلة، ثم مدَّ يدَهُ، وجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز ما وعدتني "، فما زال يهتف حتى سقط رداؤه ﷺ، عن منكبيه، فرده أبو بكر على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، فقال: يا نبي الله كَذَلك مناشدتك

رب، فَإِنَّه سينجز لك ما وعدك!.
وقوله: ﴿وَمَا جَعَلَهُ الله﴾.
" الهاء " تعود على " الإمْدَادِ ".
وقيل: على " الإِرْدَافِ ".
وقيل: على " الأَلْفِ ".
وقيل: على قبول الدعاء.