
(٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١) يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)
شرح الكلمات:
الطامة الكبرى: أي النفخة الثانية وأصل الطامة الداهية التي تعلو على كل داهية.
ما سعى: أي ما عمل في الدنيا من خير وشر.
فأما من طغى: أي كفر وظلم.
وآثر الحياة الدنيا: أي باتباع الشهوات.
فإن الجحيم هي المأوى: أي النار مأواه.
مقام ربه: أي قيامه بين يديه ليسأله عما قدم وأخر.
ونهى النفس عن الهوى: أي المردى المهلك باتباع الشهوات.
فإن الجنة هي المأوى: أي مأواه الذي يأوي إليه بعد الحساب.
عن الساعة: أي القيامة للحساب والجزاء.
أيان مرساها: أي متى وقوعها وقيامها.
فيم أنت من ذكراها: أي في أي شيء من ذكراها أي ليس عندك علمها حتى تذكرها.
إلى ربك منتهاها: أي منتهى علمها إلى الله وحده فلا يعلمها سواه.
لم يلبثوا: أي في قبورهم.
إلا عشية أو ضحاها: أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية.
معنى الآيات:
بعد أن بين تعالى مظاهر قدرته في حياة الناس وما خلق لهم فيها تدليلا على البعث والجزاء وذكر في هذه الآيات مظاهر قدرته في معادهم تدليلا على قدرته على بعثهم بعد موتهم ومحاسبتهم ومجازاتهم فقال عز من قائل ﴿فَإِذَا جَاءَتِ١ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ أي القيامة وسميت بالطامة الكبرى لأنها تطم على٢ كل شيء ولا يعظمها سيء ولا ريح عاد ولا صيحة ثمود ولا رجفة يوم الظلة. {يَوْمَ
٢ أصل الطامة الحادثة التي تطم أي تلو وتغلب أمثالها من الأحداث الجسام والمراد بها هنا القيامة، قال سفيان الطامة هي الساعة التي يسلم فيها أهل النار للزبانية قال الشاعر:
إن بعض الحب يعمي ويصم
وكذاك البعض أدهى وأطم

يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} من خير أو شر لأنه أيقن أنه محاسب ومجزي بعمله. ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ أي أبرزها فظهرت لمن يراها لا يخفيها شيء. والناس بعد ذلك مؤمن وكافر والطريقان طريق جنة وطريق نار. ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى﴾ أي عتا عن أمر ربه فعصاه ولم يطعه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه. ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ على الآخرة فعمل للدنيا وصرف كل جهده وطاقته لها، ولم يعمل للآخرة فما صام ولا صلى ولا تصدق ولا زكى ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أي مأواه ومستقره ومثواه شرابه الحميم وطعامه الزقوم ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ وهو الوقوف بين يديه لمساءلته ومجازاته فأدى الفرائض واجتنب النواهي، ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ أي نفسه عن هواها فلم يجبها في هوى يبغضه الله ولم يطعها في شيء حرمه الله فإن الجنة دار السلام والأبرار والمتقين الأخيار هي مأواه ولنعم المأوى هي حيث العيون الجارية والسرر المرفوعة والأكواب الموضوعة والنمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة والكواعب العرب الأتراب ولقاء الأحباب١. وقوله تعالى ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ أي يسألك يا رسولنا المنكرون للبعث عن الساعة أي قيامها ومتى رسوها وثبوتها وهي كالسفينة سائرة ليل نهار متى ترسو؟ ﴿فِيمَ﴾ ٢ أي في أي شيء أنت من ذكراها أي ليس عندك علمها فتذكرها لهم إلى ربك وحده علم وقت مجيئها وساعة رسوها لتنقل الناس من دنياهم إلى آخرتهم، وبذلك تنتهي رحلتهم ويستقر قرارهم. وينتهي ليلهم ونهارهم. وقوله تعالى ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ أي ليس إليك يا رسولنا علمها ولا منتهى أمرها إنما أنت مهمتك غير ما يطلب إنها إنذار من يخشى الساعة ويخاف حلولها لإيمانه بها وبما يكون فيها من نعيم وجحيم أما من لا يؤمن بها فهو لا يخافها وسؤاله عنها سؤال استهزاء، فلا تحفل بهم ولا تهتم لهم فإنهم يوم يرونها كأن لم يلبثوا في دنياهم هذه وقبورهم ﴿إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية لما يستقبلون من أهوال الموقف وفظائع العذاب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء ب١كر أحوالها وصفاتها.
٢- الناس يوم القيامة مؤمن تقي في الجنة، وكافر وفاجر في النار.
٣- بيان استئثار الله تعالى بعلم الغيب والساعة.
٤- بيان أي الشدائد ينسى بعضها بعضا فإن عذاب القبر يهون أمام عذاب النار.
٢ اسم استفهام أريد به الإنكار مشوبا بالتعجب من إلحاح المشركين على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعين لهم وقتها.