آيات من القرآن الكريم

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

ومعنى ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ نختبره.
﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾.
أي: ذا سمع وذا بصر لِتَقُوم عليه الحجة. وقال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير عنده: إنا خلقنا الإنسان سميعاً بصيراً من نطفة أمشاج لنختبره. وقد رُدَّ [عليه] هذا التقدير، لأن الفاء لا يقع معها التقديم والتأخير. ولأن الكلام تام بغير تقديم وتأخير، فلا يخرج عن ظاهر لغير علة.
- قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾، إلى قوله: ﴿وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾.
أي: إنا بينا له طريق لاحق وعرَّفناه. قال مجاهد: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾: الشقاوة والسعادة. وقال قتادة: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً﴾ لنعم الله ﴿وَإِمَّا كَفُوراً﴾ لها. وقال ابن زيد: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾ قال: [ننتظر] أي شيء يصنع وأي الطريقين يسلك. ومعنى " إما " في هذا الموضع كمعنى: [" أو " إلا أنها] تدل على

صفحة رقم 7906

المعنى في أول الكلام. ودليل ذلك قول المفسرين: إن معناه: إما شقياً وإما سعيداً. والشقاوة والسعادة يفرغ منهما وهو في بطن أمه. وقيل: ﴿شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾: حالان مقدران.
وأجاز الفراء أن [تكون] " ما " زائدة [و " إن "] للشرط.
والمعنى على هذا: " إنا هديناه السبيل إن شكر وإن كفر ". وفيه بعد لأن " إن " التي للشرط لا تقع على الأسماء إلا بإضمار فعل، ولا يحسن ذلك هنا. وقيل: تقديره على قول الفراء: " إن كان شاكراً أو كان كفوراً ".
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً﴾.
أي: إنا أعتدنا لمن كفر (وأعرض عن الإيمان) وجحد النعم [﴿سَلاَسِلاَ﴾] يوثقون بها في الجحيم ﴿وَأَغْلاَلاً﴾ تغل بها أيديهم إلى أعناقهم

صفحة رقم 7907

﴿وَسَعِيراً﴾ أي: وناراً تسعر عليهم فتوقد.
فمن لم ينون [﴿سَلاَسِلاَ﴾] أتى به على منع الصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد، وهو نهاية الجمع، فثقل فمنع الصرف. ومن وقف عليه بألف مع منعه لصرفه فعلى لغة مسموعة عن العرب.
حكى الرؤاسي والكسائي أن العرب تقف على ما لا يتصرف في حال الفتح بألف [لبيان] الفتحة. وله حجة أخرى: وذلك أنه في بعض المصاحف

صفحة رقم 7908

بألف. فاتَّبَعَ السَّوَادَ في الوقف، واتبع أصل الإعراب في الوصل.
فأما من نونه، فعلى لغة مسموعة من بعض العرب. حكى الكسائي وغيره من الكوفيين أن بعض [العرب يصرف كل ما] لا ينصرف إلا " أفعل منك ". وقال بعض أهل النظر: كل ما يجوز في الشعر يجوز في القرآن، لأن الشعر أصل كلام العرب، والعرب تصرف هذا ونحوه في الشعر. وقيل: إنما صرف لأن أُتْبِعَ بما بعده، وهو [﴿وَأَغْلاَلاً﴾].
وكذلك الحجة في ﴿قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ﴾ [الإنسان: ١٥ - ١٦]، عند من منع صرفه ووقف بالألف. أو بغير ألف أو صرفه.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾.
أي: إن الذين بروا ربهم بطاعتهم في أداء فرائضه واجتناب

صفحة رقم 7909

محارمه يشربون في الآخرة ﴿مِن كَأْسٍ﴾، وهو كل إناء فيه شراب كان مزاج ما فيها من الشراب ﴿كَافُوراً﴾ يعني أن [طيب] رائحة الشراب كالكافور.
وقيل: الكافور هنا اسم لعين ماء في الجنة. فعلى هذا، تكون ﴿عَيْناً﴾ بدلاً من " كافور ". ومن جعل الكافور صفة للشرب بنصب ﴿عَيْناً﴾ على الحال من المضمر في ﴿مِزَاجُهَا﴾. وقيل: انتصب عين على إضمار أعني، [وقيل: هي مفعول بها بمعنى: يشربون عيناً يشرب بها عباد الله. وقيل: هي نصب

صفحة رقم 7910

على المدح] وقيل: التقدير: " من عين "، قلما حذف الحرف نصب.
وقال الحسن: " الأبرار: الذين لا يؤذون الذر [ولا يرضون الشر] ".
وقال محارب بن دثار: إنما سمو أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء. فكما أن لوالديك [عليك] حقاً، كذلك لولدك عليك حق.
وروى ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: " إنْ أَبَرَّ الْبِرِ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أبيه ".

صفحة رقم 7911

قال مجاهد: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾ تمزج (به). قال قتادة: " قوم تمزج لهم بالكافور وتختم (لهم) بالمسك ".
- (وقوله: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله...﴾.
أي: يشربها. وقل: التقدير: يروي بها عباد الله الذين يدخلهم جنته. وقيل: يعني بعباد الله: الأبرار خاصة الذين تقدم ذكرهم. دليله قوله: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون﴾ [المطفيين: ٢٨]، وهو الأبرار تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك).
- ثم قال: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً﴾.

صفحة رقم 7912

أي: [يفجرون] تلك العين كيف شاؤوا حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم. والتفجير: الإسالة للماء والإجراء له. قال مجاهد: يعدلون بها/ حيث شاءوا ويعيدونها حيث شاءوا. ويروى أن أحدهم إذا أراد أ، يتفجر [له] الماء شق ذلك الوضع بعود فجرى فيه الماء.
- قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بالنذر﴾.
أي: يوفون بكل ما يجب عليهم، نذروه أو لم ينذروه.
وقال الفراء: التقدير كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. وكانوا ﴿وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾، أي: فاشياً ظاهراً منتشراً ممتداً.
قال قتادة: ﴿يُوفُونَ بالنذر﴾: " بطاعة الله وبالصلاة وبالحج والعمرة ".

صفحة رقم 7913

وقال سفيان: ﴿يُوفُونَ بالنذر﴾: " في غير معصية "، ويخافون عذاب الله في تركهم الوفاء في يوم كان شره ممتداً.
(قال قتادة) " استصار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض ".
وقال الفراء: ﴿مُسْتَطِيراً﴾ أي: [مستطيلاً].
يقال: استطار الشيء إذا انتشر.
- ثم قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ...﴾.
أي: على حبهم إياه وشهوتهم له، ﴿مِسْكِيناً... ً﴾ أي: ذا حاجة، ﴿وَيَتِيماً﴾، وقوله ﴿وَأَسِيرا﴾ قال قتادة: هو المَأْسُورُ عندك المُشْرِك، قال:

صفحة رقم 7914

وأخوك المسلم أحق منه. وقال عكرمة: الأسير - في ذلك الزمان - المشرك. قال الحسن: " ما كان أسراؤهم [إلا] المشركين ". وقال مالك: يعني أسرى المشركين. وقال مجاهد: الأسير - هنا - المسجون من المسلمين. وهو قول ابن جبير وعطاء. وهذا كله من صفة الأبرار.
- ثم قال: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله...﴾.
أي: يقولون إذا هم أطعموهم: إنما نطعمكم طلب رضاء الله والتقرب إليه.
- ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ...﴾ منكم أيها الناس على إطعامنا لكم.

صفحة رقم 7915

- -ayah text-primary">﴿جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً﴾.
و ﴿شُكُوراً﴾ يحتمل أن يكون جمع " شُكْرٍ " وأن يكون مصدراً.
قال مجاهد: " أَمَا إنَّهُمْ (ما) تكلموا به، ولكنّ الله عَلِمَه من قلوبهم فأثنى به عليهم لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ ". ومثلَ ذلك قال ابن جبير.
وكذلك روى [الفِرْيَابِي] عن سالم الأفطس عن ابن عمر.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً﴾.

صفحة رقم 7916

أي: إنما نطعمكم رجاء أن [يؤمننا] الله عقوبته في يوم شديد تعيس فيه الوجوه من شدة هوله وطول بلائه، فهو نعت لليوم بمعنى النسب، كما قال: ﴿فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] والقمطرير: الشديد، ومثله [القماطر]، وقد اقمطر اليوم [يقمطر اقمطراراً]: إذا اشتد بلاؤه، ومثله يوم عصيب وعصبصب.
قال ابن عباس في قوله: ﴿يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ قال: " يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من [بين] عينيه عرق مثل القطران ". وقال قتادة: " عبست فيه الوجوه وقبضت ما بين أعينها كراهية لذلك اليوم "، وهو قول مجاهد. وعن ابن

صفحة رقم 7917

عباس أن العبوس: الضيق، والقمطرير: الطويل.
وقال ابن زيد: " العبوس: الشر ".
- ثم قال تعالى: ﴿فوقاهم الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم﴾.
أي: وقاهم ما كانوا يحذرون في الدنيا من شر ذلك اليوم بما كانوا يعملون في الدنيا.
- ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾.
قال الحسنن: " [نضرة] في الوجوه وسروراً في القلوب "
وكذلك قال قتادة. وقال ابن زيد: نعمة وفرحاً.
وروي أن هذا كله نزل في علي بن أبي طالب. رضي الله عنهـ.

صفحة رقم 7918

ثم هو عام في من كان على [منهاجه في فعله].
- ثم قال تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً﴾.
أي: وأثابهم بصبرهم في الدنيا على طاعة الله واجتناب محارمه دخول جنته. واستعمال الحرير في اللباس والفرش.
- ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك﴾.
نصب ﴿مُّتَّكِئِينَ﴾ على الحال من الهاء والميم في ﴿وَجَزَاهُمْ﴾.
" وجزى " هو العامل في الحال. ولا [يحسن] أن يعمل فيه ﴿صَبَرُواْ﴾ لأن الصبر كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة. ويجوز أن ينتصب على النعب للجنَّة " لأنه

صفحة رقم 7919

قد عاد [عليها] من نعتها عائد (وهو) ﴿فِيهَا﴾. وقوله: ﴿على الأرائك﴾، واحد الأرائك: أريكة وهي [السرر] في الحجال.
- وقوله ﴿لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾.
" شمساً] في موضع الحال من الهاء والميم، (أو) في موضع النعت لجنةً، أي: غير رائين في الجنة شمساً تؤذيهم بحرها، ولا برداً شديداً يؤذيهم [بشدته].
قال مجاهد: الزمهرير: البرد المُقَطِّعُ.

صفحة رقم 7920
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية