
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١٦ الى ١٩]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩). (١) قرآنه: هنا بمعنى قراءته لأن قرآن مصدر من مصادر قرأ.
الخطاب في الآيات موجّه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. وفيها أمر بعدم تحريك لسانه بالقرآن الذي يوحى إليه مستعجلا آية بعد آية، بل عليه متابعة سماع الآيات إلى أن ينتهي وحيها.
وفيها تطمين بأن الله عزّ وجلّ مثبت في وعيه ما يلقى عليه وملهمه بيانه وفهمه.
والآيات جاءت كما هو ظاهر معترضة بين آيات تؤكد مجيء يوم القيامة وتنذر منكريه وتبين مصائر الناس فيه.
والآيات التالية لها استمرار في نفس الموضوع والسياق. حيث يبدو من هذه أن لا صلة لهذه الآيات بالسياق.
وقد روى المفسرون أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان حينما يوحى إليه بالقرآن يردّد الآيات واحدة بعد أخرى بشفتيه قبل انتهاء وحيها مستعجلا حفظها وتذكرها خشية نسيانها فنزلت الآيات للتنبيه والتعليم والتطمين «١».
والرواية متسقة مع الآيات. وورودها في الموضع الذي وردت فيه والذي يبدو عجيبا لا يستقيم والله أعلم إلّا بفرض أن تكون هذه الحادثة قد وقعت أثناء نزول الآيات السابقة لها فأوحى الله عزّ وجلّ بهذه الآيات فورا لبيان ما في العمل

من عجلة لا ضرورة لها، فأملى النبي صلّى الله عليه وسلّم على كاتبه الآيات مع الآيات الأخرى ولو لم تكن متصلة بها موضوعا.
تعليق على دلالة آيات لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ وأخواتها
وفي الآيات صورة رائعة من صور التنزيل القرآني ووحيه ترد لأول مرة في وقت مبكر نوعا ما من العهد المكي. وهي تثير معاني خطيرة وجليلة نبهنا إليها بإسهاب في كتابنا «القرآن المجيد». ومن ذلك أنها لا تدع محلّا لشك ولا مراء حتى من أشدّ الناس شكّا ومراء بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان مؤمنا أقوى الإيمان بأن الوحي الرباني هو الذي كان يوحى إليه بالقرآن، لا على معنى أنه نابع من ذاته، بل على معنى أنه من خارج ذاته، يشعر به في أعماق نفسه ويستمع إليه بأذن بصيرته ويعيه بقلبه. ومن ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان شديد الحرص على ألّا يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى مما يوحى إليه. ومن ذلك أنه كان يأمر بتدوين ما يوحى إليه حالا ويملي على كاتبه حتى ما هو تعليم خاص له بكيفية تلقيه وحي الله عزّ وجلّ وقرآنه، لأنه وحي. ومن ذلك أن الوحي القرآني كان يقذف من الله رأسا في روع النبي صلّى الله عليه وسلّم. ولما كان هناك آيات صريحة أخرى تفيد أن الله كان ينزل القرآن على النبي بواسطة جبريل الذي ذكر اسمه صراحة في هذا الصدد في آية سورة البقرة [٩٧] وذكر بوصف الروح الأمين في آية سورة الشعراء [١٩٣] وبوصف روح القدس في آية سورة النحل [١٠٢] «١» فيقال بسبيل التوفيق: إن في الآيات التي نحن في صددها صورة من صور الوحي القرآني وهي قذف هذا الوحي من الله عزّ وجلّ رأسا في روع النبي صلّى الله عليه وسلّم. وهذه الصورة إحدى الصور الثلاث لاتصال الله سبحانه بمن يصطفيهم من عباده التي انطوت في آية سورة الشورى هذه: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ