آيات من القرآن الكريم

وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا
ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

وجودك المجازى واتخذ وجوده الحقيقي مقام وجودك المجازى وامش جانبك هذا مثل ما قال المريد لشيخه أريد ان أحج على التجريد فقال له شيخه جرد نفسك ثم سر حيث شئت قال الامام القشيري رحمه الله ان الله هو المتولى لاحوال عباده يصرفهم على ما يشاء ويختار وإذا تولى امر عبد بجميل العناية كفاه كل شغل وأغناه عن كل غير فلا يستكثر العبد حوائجه لعلمه ان مولاه كافيه ولهذا قيل من علامات التوحيد كثرة العيال على بساط التوكل (حكى) عن ممشاد الدينوري رحمه الله انه قال كان على دين فاهتممت به فى بعض الليالى وضاق صدرى فرأيت كأن قائلا يقول لى أخذت هذا المقدار عليك الاخذ وعلينا العطاء ثم انتبهت ففتح لى ما قضيت به الدين ثم لم أحاسب بعد ذلك قصابا ولا بقالا ثم قال القشيري اعلم ان من جعل المخلوق وكيلا له فانه يسأله الاجر وقد يخونه فى ماله وقد يخطئ فى تصرفه او يخفى عنه الأصوب والأرشد لصاحبه ومن رضى بالله وكيلا أعطاه الاجر وحقق آماله واثنى عليه ولطف به فى دقائق أحواله بما لا يهتدى اليه آماله بتفاصيل سؤاله ومن جعل الله وكيلا لزمه ايضا ان يكون وكيلا لله على نفسه فى استحقاق حقوقه وفرآئضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه فى ذلك ليلا ونهارا لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة قال الزروقى رحمه الله خاصية الاسم الوكيل نفى الحوائج والمصائب فمن خاف ريحا او صاعقة او نحوهما فليكثر منه فانه يصرف عنه السوء ويفتح له أبواب الخير والرزق وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ يعنى قريشا مما لا خير فيه من الخرافات والهذيانات فى حق الله من الشريك والصاحبة والولد وفى حقك من الساحر والشاعر والكاهن والمجنون وفى حق القرآن من انه أساطير الأولين ونحو ذلك وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا تأكيد للامر بالصبر اى واتركهم تركا حسنا بأن تجانهم بقلبك وهواك وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمورهم الى ربهم كما أعرب عنه ما بعد الآية قال الراغب الهجر والهجران مفارفة الإنسان غيره اما بالبدن او باللسان او بالقلب وفوله تعالى واهجرهم هجرا جميلا يحتمل للثلاثة ويدعو الى تحريها ما أمكن مع تحرى المجاملة قال الحكماء تسلح على الأعداء بحسن المداراة حتى تبصر فرصة

آسايش دو كيتى تفسير اين دو حرفست با دوستان تلطف با دشمنان مدارا
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ اى دعنى وإياهم وكل أمرهم الى فانى أكفيكهم وقد سبق فى ن والقلم وقال بعضهم يجوز نصب المكذبين على المعية اى دعنى معهم وهو الظاهر ويجوز على العطف اى دعنى على امرى مما تقتضيه الحكمة ودع المكذبين بك وبالقرءان وهو أوفق للصناعة لان النصب انما يكون نصا فى الدلالة على المصاحبة إذا كان الفعل لازما وهنا الفعل متعد أُولِي النَّعْمَةِ ارباب التنعم وبالفارسية خداوندان نازوتن آسانى. صفة للمكذبين وهم صناديد قريش وكانوا اهل ترفه وتنعم لا سيما بنى المغيرة والنعمة بفتح النون التنعم وبكسرها الانعام وما أنعم به عليك وبالضم السرور والتنعم استعمال ما فيه النعومة واللين من المأكولات والملبوسات وفى تاج المصادر التنعم

صفحة رقم 213

بناز زيستن. وفيه اشارة الى ان متعلق الذم ليس نفس النعمة والرزق بل التنعم بهما كان قال عليه السلام لمعاذ رضى الله عنه حين بعثه الى اليمن واليا إياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين وفيه تسلية للفقرآء فانهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام وَمَهِّلْهُمْ التمهيل زمان دادن. والمهل التؤدة والسكون يقال مهل فى فعله وعمل فى مهلة قَلِيلًا اى زمانا قليلا وأجلهم أجلا يسيرا ولا تعجل فان الله سيعذبهم فى الآخرة إذ عمر الدنيا قليل وكل آت قريب ويدل على هذا المعنى ما بعد الآية من بيان عذاب الآخرة وقال الطبري كان بين نزول هذه الآية ووقعة بدر زمان يسير ولذا قيل انها مدنية إِنَّ لَدَيْنا فى الآخرة وفيما هيأناه للعصاة من آلات العذاب وأسبابه وهو اولى من قول بعضهم فى علمنا وتقديرنا لان المقام مقام تهديد العصاة فوجود آلات العذاب بالفعل أشد تأثيرا على ان تلك الآلات صور الأعمال القبيحة ولا شك ان معاصرى النبي عليه السلام من الكفار قد قدموا تلك الآلات بما فعلوا من السيئات أَنْكالًا قيودا ثقالا يقيد بها ارجل المجرمين اهانة لهم وتعذيبا لا خوفا من فرارهم جمع نكل بالكسر وهو القيد الثقيل والجملة تعليل للامر من حيث ان تعداد ما عنده من اسباب التعذيب الشديد فى حكم بيان اقتداره على الانتقام منهم فهم يتنعمون فى الدنيا ولا يبالون وعند الله العزيز المنتقم فى الآخرة امور مضادة لتنعمهم وَجَحِيماً وبالفارسية وآتشى عظيم. وهى كل نار عظيمة فى مهواة وفى الكشاف هى النار الشديدة الحر والاتقاد وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ هو ما ينشب فى الحلق ويعلق من عظم وغيره فلا ينساغ اى طعاما غير سائغ يأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج كالضريع والزقوم وهما فى الدنيا من النباتات والأشجار سمان قاتلان للحيوان الذي يأكلهما مستكرهان عند الناس فما ظنك بضريع جهنم وزقومها وهو فى مقابلة الهنيء والمريء لاهل الجنة وانما ابتلوا بهما لانهم أكلوا نعمة الله وكفروا بها وَعَذاباً أَلِيماً ونوعا آخر من العذاب مؤلما لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه كما يدل عليه التنكير كل ذلك معدلهم ومرصد فالمراد بالعذاب سائر انواع العذاب جاء فى التفسير انه لما نزلت هذه الاية خر النبي عليه السلام مغشيا عليه وعن الحسن البصري قدس سره انه امسى صائما فاتى بطعام فعرضت له هذه، الآية فقال ارفعه ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال ارفعه وكذلك الثالثة فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فجاؤا فلم يزالوا حتى شرب شربة من سويق. اعلم ان اصناف العذاب الروحاني فى الآخرة ثلاثة حرقة فرقة المشتهيات وخزى خجلة الفاضحات وحسرة فوت المحبوبات ثم ينتهى الأمر الى مقاساة النار الجسمانية الحسية والخزي الذل والحقارة والخجلة التحير من الحياء والفاضح الكاشف عيب المجرم يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ ظرف للاستقرار الذي تعلق به لدينا والرجفة الزلزلة والزعزعة الشديدة اى تضطرب وتتزلزل بهيبة الله وجلاله ليكون علامة لمجيئ القيامة وامارة لجريان حكم الله فى مؤاخذة العاصين أفرد الجبال بالذكر مع كونها من الأرض

صفحة رقم 214
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية