آيات من القرآن الكريم

قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

والناس ولده (١)، وقال مقاتل: يعني أول خلقكم من تراب (٢) الأرض (٣)، قال الأخفش في قوله: (نباتًا) جعل الاسم في موضع المصدر (٤)، والمصدر: الإنبات؛ لأن هذا يدلك على ذلك المعنى (٥).
وقال أبو إسحاق: (نباتاً) محمول على المصدر في المعنى؛ لأن معنى أنبتكم: جعلكم تنبتون نباتًا، فنباتكم (٦) أبلغ في المعنى (٧).
وقوله: ﴿سُبُلًا فِجَاجًا﴾، أي: طرقاً واسعة، واحدها: فج، وهو مفسر فيما تقدم (٨).
٢١ - ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا﴾ الآية.
قال الكلبي، ومقاتل: اتبع الفقراء والسفلة الرؤساء (٩) والكبراء الذين لم يزدهم كثرة المال إلا ضلالاً في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، وهو قوله:

(١) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في الوسيط: ٤/ ٣٥٨.
(٢) بياض في: (ع).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٠/ ب.
(٤) بياض في: (ع).
(٥) ورد قوله في "معاني القرآن" ٢/ ٧١٥ بتصرف يسير.
(٦) في (ع): فنباتًا.
(٧) ورد قوله في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٠ باختصار يسير.
(٨) سورة الأنبياء: ٣١: ﴿وَجَعَلْنَا في الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١)﴾، وجاء في تفسيرها: "قال الليث: الفج: الطريق الواسع بين جبلين، وقال أبو الهيثم: الفج: طريق في الجبل واسع، يقال: فج، وأفج، وفجاج، والفج في كلام العرب: تفريجك بين الشيئين، ومنه قيل: الطريق بين جبلين فج؛ لأنه فرج بين الجبلين. وعن ابن عباس قال: وجعلنا من الجبال طرقًا حتى اهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار والتجارات". تفسير البسيط: بتصرف.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٠/ ب.

صفحة رقم 261

﴿مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾، وقرئ: (ووُلدُهُ) -بضم الواو (١) -، وقد ذكرنا في آخر سورة مريم (٢): (أن الوُلد بالضم لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعًا، إما جمع وَلَدٍ، وإما جمع وُلْدٍ كالفُلْك، وهاهنا يجوز أن يكون واحدًا وجمعًا) (٣).
قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢)﴾ يعني الرؤساء قتلوا السفلة (٤) عن الإيمان شرح، وقالوا لهم: (لا تذرنَّ) الآية. وهذا كان مكرهم (٥). قاله مقاتل، قال: والمعنى: قالوا قولاً عظيمًا، وقولهم العظيم أنهم قالوا: لا تذرنَّ عبادة ودّ (٦) (٧).

(١) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف بضم الواو الثانية، وإسكان اللام: "ووُلْدُهُ"، والباقون بفتح الواو واللام: "ووَلَدُهُ". انظر: "القراءات وعلل النحويين" ٢/ ٧١٧، و"الحجة" ٦/ ٣٢٥، و"المبسوط" ٣٨٥، و"البدور الزاهرة" ٣٢٦، و"المهذب في القراءات" لعبد الفتاح القاضي ٢/ ٣٠٦.
(٢) سورة مريم: ٧٧: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)﴾.
(٣) ما بين القوسين نقله عن أبي علي بتصرف: الحجة: ٦/ ٣٢٥ - ٣٢٦.
(٤) السُّفْل، والسِّفْلُ، والسُّفُول، والسَّفال، والسَّفالة بالضم: نقيض العُلْوِ، والعِلْوِ، والعُلُوِّ، والعَلاءِ، والعَلاوَةِ. والسَّفِلة: السُّقاط من الناس، ويقال: السِّفْلة. انظر: "الصحاح" ٥/ ١٧٣٠، مادة: (سفل)، وتهذيب اللغة: ١٢/ ٤٣٠، (سفل).
(٥) المكر له خمسة أوجه: فوجه منها: المكر: تكذيب الأنبياء، الثاني: المكر: فعل الشرك، الثالث: المكر بالقول، الرابع: المكر: إرادة القول، الخامس: المكر: الحيلة. انظر: قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: للدامغاني: ٤٣٩ - ٤٤٠.
(٦) ودّ: صنم كان لقوم نوح عليه السلام، ثم صار لكلاب. "الصحاح" ٢/ ٥٤٩ (ود). وفي الموسوعة الميسرة: ٢/ ١٩٤٦: "ود: اسم إله القمر في الديانة المعينية القديمة في اليمن، ومعناه: الحب، وورد اسمه في النقوش المعينية، والسبئية، وقد أقيمت باسمه بعض المعابد في بلاد الجوف باليمن".
(٧) ورد معنى قوله في: "تفسير مقاتل" ٢١٠/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٠٤، =

صفحة رقم 262

ونحو هذا قال الكلبي (١) وغيره (٢)، إلا أنهم جعلوا ذلك القول (٣) العظيم الافتراء على الله، وتكذيب رسوله.
(والكُبَّار (٤): مبالغة من الكبير (٥)، يقال: كبير (٦)، وكُبَارٌ، وكُبَّارٌ، وجميل، وجَمال، وجُمَّالٌ، وعظيم، وعَظام، وعِظَّام في أشباه (٧) كثيرة (٨) " (٩)، لهذا تم ذكر ما قالت الكبراء للسفلة، وهو قوله:
﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ أي عبادتها.

= و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٣٠٧، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٠، والعبارة عنه في جميعهم: هو قول كبرائهم لأتباعهم: "وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًّا ولا سواعًا" الآية.
(١) ورد معنى قوله في: "النكت والعيون" ٦/ ١٠٣، و"القرطبي" ١٨/ ٣٠٧، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٠، والعبارة عنه في كليهما: "هو ما جعلوه لله من الصاحب والولد".
(٢) وهو قول الضحاك، قال: افتروا على الله وكذبوا، وكذبوا رسوله.
وبمعنى هذا قال ابن عباس: قالوا قولًا عظيمًا، وكذا الحسن، قال: مكروا في دين الله وأهله مكرًا عظيمًا. انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٨٩/ ب، و"البغوي" ٤/ ٣٩٩.
(٣) في (أ): الفوز.
(٤) قال ابن فارس: "كبر: الكاف والباء والراء أصل صحيح يدل على خِلاف الصِّغَر، يقال: هو كبير، وكُبار، وكُبَّار، والكِبْر: مُعْظم الأمر". "معجم مقاييس اللغة": ٥/ ١٥٣ (كبر). وفي "الصحاح" "كَبُرَ -بالضم- يَكْبُر أي عَظُم فهو كبير، وكُبَار، فإذا أفرط قيل: كُبَّار -بالتشديد- ". ٢/ ٨٠١ (كبر).
(٥) في (أ): الكبر.
(٦) في (أ): كبر.
(٧) غير مقروءة في: (ع).
(٨) وأشباهه نحو: كثير وكُثَّار، وقليل وقُلّال، وجسيم وجُسَّام، وزحير وزُحَّار، وأنين وأنان. انظر: "إصلاح المنطق" ١٠٩.
(٩) ما بين القوسين نقله الواحدي عن الفراء بتصرف. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٨٩.

صفحة رقم 263

(ولا تذرن وَدًا (ولا سواعًا) (١) " إلى قوله: ﴿وَنَسْرًا﴾ (روى السُّدِّيُّ عن) (٢) أبي مالك قال: هذه أسماء آلهتهم (٣). وهو قول مقاتل (٤)، والجميع (٥).
قال قتادة: ثم عبدتها العرب بعد ذلك (٦)، وكان (ودٌّ) لكلب (٧) بدومة الجنْدَل (٨)،

(١) ساقطة من: (ع).
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) لم أعثر على مصدر لقول السدي.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٠/ ب.
(٥) وهو قول: قتادة، وابن عباس، والضحاك، وابن زيد، وعكرمة، وابن إسحاق، وأبي عثمان. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٩٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٩٣ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه، وابن المنذر. وبه قال الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٠، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٢: ١٩٠/ ب، وابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٥، وابن كثير في: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٤.
(٦) بياض في: (ع).
(٧) كلب بن وبرة: بطن من قُضاعة، من القحطانية، وهم: بنو كلب بن وبرة، وكانوا ينزلون دُومة الجندل وتبوك وأطراف الشام، ونزل خلق عظيم منهم على خليج القسطنطينية، ومن أمكنتهم: عُقدة الجوف، الشرية، ومن أوديتهم: قُراقر، ومن مياههم: عُراعر، وقد اتخذوا في الجاهلية بدومة الجندل صنمًا يدعى: "ودًّا"، ودخلوا في دين النصرانية، ثم في الإسلام. انظر: "معجم قبائل العرب القديمة والحديثة" لعمر رضا كحالة: ٣/ ٩٩١، و"نهاية الأرب" للقلقشندي: ٣٦٥: ت: ١٤٩١.
(٨) دُومَة الجندل -بضم أوله وفتحه-: وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبني بالجندل، ودومة الجندل: حصن وقرى بين الشام والمدينة، قرب جبل طيئ، كانت به بنو كتانة من كلب. افتتحها خالد بن الوليد -رضي الله عنه- سنة ٩ هـ، وقال الشيخ =

صفحة رقم 264

وكان "سُواعٌ (١) ") لهُذَيْل (٢)، وكان "يغُوثُ (٣) " لبني غُطَيْف (٤) من مراد (٥).
وكان (يعوق (٦)) لهمدان (٧)،

= حمد الجاسر: "هي مدينة كانت قاعدة إمارة الجوف، ثم نقلت القاعدة إلى سكاكة". انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٤٨٧، و"معجم ما استعجم" للبكري: ٢/ ٥٤٦، و"المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية" لحمد الجاسر: ١/ ٥٨٨.
(١) سواع: اسم صنم عُبد زمن نوح عليه السلام فغرقه الله أيام الطوفان ودفنه، فاستثاره إبليس لأهل الجاهلية، فعبدوه. تهذيب اللغة: ٣/ ٨٩، مادة: (سوع).
(٢) هذيل: هم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانت ديارهم بالسروات، وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف، وكان لهم أماكن ومياه في أسفلها من جهات نجد، وتهامة بين مكة والمدينة، ثم تفرقوا بعد الإسلام، وهم بطنان: سعد بن هذيل، ولحيان بن هذيل. من منازلهم وديارهم: عُرنة، عَرفة، بطن نُعمان. ومن جبالهم: مَكان المشعر، فَحل، عَماية. ومن أوديتهم: نخاة، الشامية، سعيا، حَلبة. ومن مياههم: المجاز، الرجيع، بئر معونة. ومن أيامهم: يوم خشاش، ووقعة الجُرف. وكانوا يعبدون مَناة بين مكة والمدينة، وصنم سعد، وصنمًا كان برهاط يحجون إليه، وقد هدمه عمرو بن العاص رضي الله عنه سنة ٥٨. انظر: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: لعمر رضا كحالة: ٣/ ١٢١٣، وانظر: نهاية الأرب: ٣٨٧: ت: ١٦١١.
(٣) يغوث: صنم كان لمَذْحِج. "لسان العرب" ٢/ ١٧٥، مادة: (غوث).
(٤) بياض في: (ع).
(٥) بنو غطيف: بطن من مراد من كهلان القحطانية، وهم بنو غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد. قال أبو عبيد: ويقال: إنهم من الأزد، ومنهم فروة بن مسيك، وقد على النبي -صلى الله عليه وسلم-. انظر: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب: ٣٤٨: ت: ١٤٢٣، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: لكحالة: ٣/ ٨٨٩.
(٦) يعوق: صنم كان لقوم نوح عليه السلام. "الصحاح" ٤/ ١٥٣٤، مادة: (عوق).
(٧) همْدان: بطن من كهلان، من القحطانية، وهم: بنو همدان بن مالك بن زيد بن =

صفحة رقم 265

وكان (نَسْر (١)) لذي الكلاع (٢) من حمير (٣) (٤).
وهذا قول ابن عباس (٥)

= أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، لهم أفخاذ متسعة، منهم: المحايل، سبع، يام، موهبة، أرحب، وبنو الزريع. ديارهم: كانت ديارهم باليمن من شرقيه، ولما جاء الإسلام تفرق قوم منهم، وبقي قوم منهم باليمن، فنزلوا الكوفة، ومصر، فمن بلادهم باليمن: نجران، غُرق، شروم، الخنق. ومن قصورهم: ناعط. تاريخهم: من أيامهم يوم الرَّزْم، كان لهمْدان على مُراد قبيل الإسلام، وأغار عليهم توبة بن الحمير في محل يدعى الجرف. أصنامهم: سُواع، ويعوق. انظر: معجم قبائل العرب: ٣/ ١٢٢٥.
(١) نَسْر: صنم كان لذي الكلاع بأرض حمير. "لسان العرب" ٥/ ٢٠٦، مادة: (نسر).
(٢) بياض في (ع). وذو الكلاع: بطن يعرف بذي الكلاع من حمير القحطانية، وهم بنو شرحبيل بن حمير، كانوا يقطنون بمخلاف السَّحول بن سوادة. انظر: معجم قبائل العرب: ٣/ ٩٩٠.
(٣) ورد قول قتادة في: "جامع البيان" ٢٩/ ٩٩، و"الكشف والبيان" ١٢: ١٩٠/ ب، فتح الباري: ٨/ ٦٦٨ بمعناه.
(٤) حِمْيَر: بطن عظيم من القحطانية، ينتسب إلى حمير بن سبأ بن يَشْجُب بن يعرب بن فحطان، وسام حمير: العَرَنج، وحمير في قحطان ثلاثة: الأكبر، والأصغر، والأدنى. ومن بلاد حمير في اليمن: شِبام، وذمار، ورمغ. ومن حصونها: مُدَع. وسكن قسم من حمير الحيرة، ومن أيام حمير: يوم البيداء، وهو من أقدم أيام العرب، وكان بين حمير وكلب. وأما أديان حمير: فانتشرت اليهودية فيهم، وكانوا يعبدون الشمس، وكان لحمير بيت بصنعاء يقال له: رئام يعظمونه، ويتقربون عنده بالذبائح. انظر: معجم قبائل العرب: ١/ ٣٠٦.
(٥) ورد قوله في: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٠، و"جامع البيان" ٢٩/ ٩٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٣٠٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٥٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٩٣ وعزاه إلى البخاري، وابن المنذر، وابن مردويه، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٠. وأخرجه البخاري ٣/ ٣١٦، =

صفحة رقم 266

في رواية عطاء (الخراساني) (١)، وروى عنه الكلبي أن هذه الأصنام دفنها الطوفان أيام الغرق، وطمها التراب، فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب (٢) (٣).
وقال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين بين آدم ونوح (٤)، فنشأ قوم بعدهم، (فأخذوا بأخذهم في العبادة، فقال إبليس: لو صورتم صورهم كان أشوق لكم إلى العبادة، ففعلوا، ثم نشأ قوم بعدهم) (٥)، فجاء

= ح: ٤٩٢٠، كتاب التفسير، باب: ٧١، سورة نوح بمعنى رواية قتادة إلا أنه ذكر أن يغوث كانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وتتمة الرواية عند ابن عباس: "أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى هلك أولئك، ولنسخ العلم عُبدت". وأخرجه ابن الأثير في: جامع الأصول: ٢/ ٤١٣، ح: ٨٦٠ قلت: وما أخرجه البخاري من رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، وقع فيه كلام من المزي مقتضاه أن عطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس، وعليه فالحديث منقطع، ولهذا كان مأخذًا على البخاري؛ إلا أن ابن حجر كان له توجيه، وهو أنه احتمال أن العطائين: ابن رباح، والخراساني، قد رويا الحديث، ولذا أخرجه البخاري. والكلام في هذا الأمر تفصيله في فتح الباري: ٨/ ٦٦٧، و"تهذيب الكمال" ٢٠/ ١١٥.
(١) ساقطة من: (أ).
(٢) بياض في: (ع).
(٣) ورد قول ابن عباس من غير ذكر طريق الكلبي إليه في: "الكشف والبيان" ١٢: ١٩٠/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٠، وورد معنى قوله عن مقاتل في "زاد المسير" ٨/ ١٠٠.
(٤) بياض في: (ع).
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).

صفحة رقم 267

إليهم إبليس فقال: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم (١). هذا كلامه (٢).
وابتداء عبادة (٣) الأوثان من ذلك الوقت، وسميت تلك الأصنام (٤) بهذه الأسماء؛ لأنهم صوَّروها على صورة أولئك القوم المسمين بهذه الأسماء (٥).
(وفي (ود) قراءتان: فتح الواو (٦)، وضمها (٧)، والفتح أعرف في اسم صنم قوم نوح. حكاه (أبو عبيدة) (٨) بالفتح، وقول الشاعر (٩):

فَحَيَّاكِ وَدٌّ مَنْ هَدَاكِ لفِتْيَةٍ وخُوصٍ بأعلى ذي نُضالَةَ هُجَّدِ (١٠)
(١) ورد معنى قوله في: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٨٩/ ب، وما بعدها، وبنصه في: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٣٠٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣١٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٢٩٤ وعزاه إلى عبد بن حميد، وفي معناه عزاه إلى أبي الشيخ في العظمة، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠٠.
(٢) في (أ): كلامهم.
(٣) غير مقروء لبياض في: (ع).
(٤) بياض في: (ع).
(٥) قال بذلك أيضًا ابن حجر في فتح الباري: ٨/ ٦٦٩.
(٦) قرأ عامة القراء بفتح الواو (وَدًّا) عدا نافع. انظر: "السبعة" ٦٥٣، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧١٦، و"الحجة" ٦/ ٣٢٧، و"التبصرة" ٧٠٩، و"تحبير التيسير" ١٩٣، و"الوافي" ٣٧٣.
(٧) قرأ نافع وحده: "وُدًّا" بضم الواو. انظر: المراجع السابقة.
(٨) في كلا النسختين: (أبو عبيد)، ولعل الصواب، (أبو عبيدة) كما جاء في الحجة: ٦/ ٣٢٧؛ إذ النص منقول عن الحجة. وانظر أيضًا: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧١.
(٩) الشاعر هو الحطيئة: جرول بن أوس من بني قُطيفة بن عبس.
(١٠) مواضع ورود البيت منسوبًا للحطيئة: "ديوانه" ٤٧ المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، وانظر مادة: (هجد) في "تهذب اللغة" ٦/ ٣٦، و"لسان =

صفحة رقم 268

ينشد بالفتح. قال الأخفش: وعسى أن يكون (الضم) لغة في اسم الصنم، قال: وسمعت هذا البيت:

حَيّاك وُدٌّ فإنّا لا يَحِلُّ لَنا لَهْوُ النّساءِ وإنَّ الدِّينَ قد عَزَما (١)
بضم الواو) (٢).
وقال الليث: الوَد كان لقوم نوح، وكان لقريش صنم يدعونه وُداً، وبه سمي عمرو بن عبد وُدٍّ (٣).
وعلى هذا فلعل من قرأ بالضم غلط، فظن صنم قوم نوح صنم قريش، وأبو عبيد يختار الفتح، وإنما يقال: (ود) اسم صنم، ألا تراهم كانوا يتسمون بـ: (عبد ود) (٤)؟.
قوله: ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا﴾، من المفسرين من يجعل الإضلال من فعل كبرائهم، وهو الظاهر لقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ﴾.
قال مقاتل: أضل كبراؤهم كثيرًا من الناس (٥).
= العرب" ٣/ ٤٣١، و"تاج العروس" ٢/ ٥٤٣، وجميعها برواية: "ذي طوالة". وانظر أيضًا: "الغريب المصنف" لأبي عبيد: ٢/ ٤٠٠ برواية: "وهداك"، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٦ برواية: "فضالة"، و"الحجة": ٦/ ٣٢٨.
(١) البيت للشاعر النابغة الذبياني، وقد ورد البيت في: "ديوانه" ١٠١ ط دار بيروت برواية: "حياك ربي"، كما ورد غير منسوب في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٣٠٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٤٢، و"فتح القدير" ٥/ ٣٠١، برواية: "غربًا" بدلاً، من: "عزمًا"، و"الدر المصون" ٦/ ٣٨٥. الدين هنا: الحج، عزم: أي عزمنا عليه، وهو من باب القلب. انظر: "ديوانه".
(٢) ما بين القوسين نقله الواحدي عن أبي علي من الحجة: ٦/ ٣٢٧ - ٣٢٨ بتصرف.
(٣) تهذيب اللغة: ١٤/ ٢٣٥ بتصرف يسير جدًا.
(٤) لم أعثر على مصدر قول أبي عبيد.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١٠/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٠.

صفحة رقم 269

ومنهم من يجعل الإضلال للأصنام، ويكون المعنى: قد أضل (١) بسببها كثيرًا من الناس، كقوله تعالى: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ (النَّاسِ) (٢)﴾ [إبراهيم: ٣٦]، وأجرى الأصنام في هذه الآية على هذا القول مجرى الآدميين كقوله: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ﴾ [الأعراف: ١٩٥] الآية، وقد تقدم الكلام في ذلك (٣).
وهذا القول حكاه الفراء (٤)، ولعله قول الكلبي.
﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ﴾ قال الكلبي (٥)، ومقاتل (٦): يعني المشركين بعبادتهم الأوثان.
﴿إِلَّا ضَلَالًا﴾ إلا خسراناً. وهذا دعاء عليهم بعد أن أعلمه الله أنهم لا يؤمنون، كما قال تعالى: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ (٧).
قوله تعالى: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ ((ما) صلة كقوله ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ (٨)،

(١) في (ع): ضل.
(٢) ساقطة من: (أ).
(٣) في سورة إبراهيم: ٣٦: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ قال أبو إسحاق وغيره: أي ضُلِّلُوا بسببها؛ لأن الأصنام لا تعقل، ولا تفعل شيئًا، كما تقول: قد فتنتني هذه الدار، أي أحببتها، واستحسنتها، وافتتنت بسببها. فلما ضل الناس بسببها صارت كأنها أضلتهم، فنسب الفعل إليهم. انظر: "تفسير البسيط" بتصرف.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ١٨٩.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) سورة هود: ٣٦: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)﴾ [هود: ٣٦]
(٨) سورة النساء: ١٥٥: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥)﴾.

صفحة رقم 270

﴿فبَمَا رَحْمَةٍ﴾ (١)، والمعنى: من خطيئاتهم، أي من أجلها وسببها، وهو معنى قول ابن عباس (٢)، ومقاتل (٣)، يعني: فبخطيئاتهم.
وقرئ: (خطاياهم) (٤)، وكلاهما جمع خطيئة؛ أحدهما (٥) على التكثير، والآخر جمع الصحيح.
وقد تقدم الكلام فيها عند قوله: ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ﴾ (٦)، وفي

(١) سورة آل عمران: ١٥٩: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)﴾.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٠/ ب، قال: يعني فخطيئاتهم.
(٤) قرأ أبو عمر وحده: "مِمَّا خَطَاياهُم" بفتح الطاء، والياء، وألف بعدها من غير همز، وقرأ الباقون: "خطيئاتهم" بكسر الطاء، وياء ساكنة بعدها، وبعد الياء همزة مفتوحة، وألف وتاء مكسورة. انظر: كتاب السبعة: ٦٥٣، القراءات وعلل النحويين فيها: ٢/ ٧١٦، و"الحجة": ٦/ ٣٢٨، و"الكشف" ٢/ ٣٣٧، و"حجة القراءات": ٧٢٦ - ٧٢٧، و"النشر": ٢/ ٣٩١، و"البدور الزاهرة" ٣٢٧.
(٥) في (ع): أحدها.
(٦) سورة البقرة: ٥٨، ومما جاء فيها من الكلام: "أن الأصل في "خطايا" كان "خطايو" لأنها جمع خطيئة قد أبدل من هذه الياء همزة، فصارت "خطائي"، وإنما أبدلت هذه الياء همزة لأن هذه الياء إذا وقعت في الجمع صارت همزة، وعلة ذلك لاجتماع همزتين، فقلبت الثانية "ياء" فصارت: "خطائي" ثم قلبت الياء والكسرة إلى الفتحة والألف، فصارت "خطاءا"، فأبدلت الهمزة ياءً لوقوعها بين ألفين، وإنما أُبدلت الهمزة حين وقعت بين ألفين؛ لأن الهمزة مجانسة للألفات، فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد، فأبدلت الهمزة ياء فصارت: "خطايا". نقلاً -باختصار يسير- من تفسير البسيط.

صفحة رقم 271
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية