آيات من القرآن الكريم

مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑ

حقيقة كما
جاء فى الحديث: «صلة الرحم تزيد فى العمر»
ولا ريب أن التقوى والطاعة تؤثر هذا الأثر، إذ طهارة الأرواح، ونقاء الأشباح تطيل العمر، فبها يحفظ الأمن، وتكتسب الفضائل، وتجتلب المنافع المادية.
والخلاصة- إن الأجل أجلان على ما قاله الزمخشري وعبارته: فقد قضى الله مثلا أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة فقيل لهم آمنوا: يؤخركم إلى أجل مسمى، أي إلى وقت سماه الله وضربه أمدا تنتهون إليه، وهو الوقت الأطول، وهو تمام الألف اه.
ثم أخبر أنه إذا انقضى ذلك الأجل الأطول فلا بد من الموت فقال:
(إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن أجل الله الذي كتبه على خلقه فى أم الكتاب إذا جاء لا يؤخر عن ميقاته لو كنتم من أهل العلم، لكنكم لستم من أهله، ولذا لم تسارعوا إلى العمل بما أمركم به.
وفى قوله لو كنتم تعلمون: زجر لهم عن حب الدنيا والتهالك عليها، والإعراض عن أوامر الدين ونواهيه، وكأنهم قد بلغ بهم الأمر إلى أنهم شاكون فى الموت.
[سورة نوح (٧١) : الآيات ٥ الى ٢٠]
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩)
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠)

صفحة رقم 80

شرح المفردات
ليلا ونهارا: أي دائما، جعلوا أصابعهم فى آذانهم: أي سدوا مسامعهم، استغشوا ثيابهم: أي تغطوا بها لئلا يرونى كراهة النظر إلىّ، السماء: أي المطر كما جاء فى قوله:

إذا نزل السماء بأرض قوم فحلّوا حيثما نزل السماء
مدرارا: أي متتابعا، جنات: أي بساتين، ترجون: أي تخافون، وقارا:
أي عظمة وإجلالا، أطوارا: واحدها طور وهو الحال والهيئة، فطورا نطفة، وطورا علقة، وطورا عظاما، ثم تكسى العظام لحما، ثم تنشأ خلقا آخر، طباقا: أي بعضها فوق بعض، بساطا: أي منبسطة تتقلبون فيها، فجاجا: أي واسعة، واحدها فج، وهو الطريق الواسع قاله الفراء وغيره.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أن نوحا أمر أن ينذر قومه قبل أن يحل بهم بأس ربهم، وعظيم بطشه، وأنه لبّى نداءه، فأنذرهم وأمرهم بتقواه وطاعته، ليغفر ذنوبهم، ويمدّ فى أعمارهم- أردف ذلك بمناجاته لربه وشكواه إليه، أنه أنذرهم بما امره به، فعصوه وردّوا عليه ما أتاهم به من عنده، ولم يزدهم دعاؤه إلا إدبارا عنه، وهربا منه، وأنه كان يدعوهم تارة جهرة، وتارة سرّا، وأمرهم أن يطلبوا من ربهم

صفحة رقم 81

مغفرة ذنوبهم، ليرسل المطر عليهم، ويمدهم بالأموال والبنين، ويجعل لهم الجنات والأنهار، ثم نبههم إلى عظمته تعالى، وواسع قدرته، ولفت أنظارهم إلى خلقه تعالى لهم أطوارا، وخلقه للسموات طباقا، وجعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا، وجعل الأرض كالبساط يتنقلون فيها من واد إلى واد، ومن قطر إلى قطر.
الإيضاح
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) أي قال رب إنى أنذرت قومى ولم أترك دعاءهم فى ليل ولا نهار امتثالا لأمرك، وكلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فرّوا منه، وحادوا عنه.
ثم أخبر عن أحوال أخرى لهم تدل على الفظاظة وجفاء الطبع فقال:
(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) أي وإنى كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك، والعمل لطاعتك، والبراءة من عبادة كل ما سواك، لتغفر لهم ذنوبهم- سدّوا مسامعهم حتى لا يسمعوا دعائى، وتغطّوا بثيابهم كراهة النظر إلىّ، وأكبّوا على الكفر والمعاصي، وتعاظموا عن الإذعان للحق، وقبول ما دعوتهم إليه من النصح.
ثم بين أنه ما ترك وسيلة فى الدعوة إلا فعلها فقال:
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً. ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) أي ثم إنى كنت أسرّ لهم بالدعوة تارة، وأجهر لهم بها تارة أخرى، وطورا كنت أجمع بين الإعلان والإسرار.
والخلاصة- إنه عليه الصلاة والسلام لم يترك سبيلا للدعوة إلا فعلها، فاستعمل طرقا ثلاثة:
(١) بدأهم بالمناصحة فى السر، فعاملوه بما ذكر فى الآية من سدّ الآذان

صفحة رقم 82

والاستغشاء بالثياب، والإصرار على الكفر، والاستعظام عن سماع الدعوة.
(٢) جاهرهم بالدعوة، وأعلنهم على وجه ظاهر لا خفاء فيه.
(٣) جمع بين الإعلان والإسرار.
ثم بين ما كان يقول لهم فقال:
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أي فقلت لهم: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم وعبادة ما سواه من الآلهة، ووحدوه وأخلصوا له العبادة.
(إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) لذنوب من أناب إليه وتاب منها، متى صدقت العزيمة، وخلصت النية، وصحت التوبة، فضلا منه وجودا، وإن كانت كزيد البحر.
ولما كان الإنسان مجبولا على محبة الخيرات العاجلة كما قال: «وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ» لا جرم أعلمهم أن إيمانهم بالله يجمع لهم إلى الحظ الأوفر فى الآخرة، الخصب والغنى وكثرة الأولاد فى الدنيا، ومن ثم وعدهم بخمسة أشياء:
(١) (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أي يرسل المطر عليكم متتابعا، فتزرعون ما تحبون، ويكثر الخصب والغلات النافعة لكم فى معاشكم، من حبوب وثمار، وتحدث لكم طمأنينة وأمن وراحة لتوافر ما تشتهون، مما هو سبب السعادة والهدى.
(٢) (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ) أي ويكثر لكم الأموال والخيرات على سائر ضروبها واختلاف ألوانها.
(٣) (وَبَنِينَ) أي ويكثر لكم الأولاد فقد ثبت لدى علماء الاجتماع أن النسل لا يكثر فى أمة إلا إذا استتب فيها الأمن، وارتفع منها الظلم، وساد العدل بين الأفراد، وتوافرت لهم وسائل الرزق.
وأصدق شاهد على هذا الأمة المصرية، فقد كانت فى عصر المماليك فى القرن السابع عشر الميلادى، أيام الظلم والعسف والجبروت، فى فقر وضنك، وسلب ونهب، فتدهور عدد سكانها حتى بلغ الثلاثة الملايين.

صفحة رقم 83

ولما اعتلى عرش مصر «محمد على» رأس الأسرة المالكة فى مصر فى أوائل القرن الثامن عشر، وساس البلاد بحكمته، وسعى جهد طاقته فى تنظيم مرافقها من زراعة وصناعة ومعارف وعلوم، تكاثر النسل وما زال يزيد، ونهج أبناؤه وحفدته نهجه حتى بلغ عدده فى عصرنا الحاضر نحو عشرين مليونا.
(٤) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) أي ويوجد لكم بساتين عامرة تأخذون من ثمارها ما به تنتفعون، ولن يطمع الناس فى الفاكهة إلا إذا وجدت لديهم الأقوات، وكثرت الغلات.
(٥) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) جارية بها يكثر الخصب والزرع بمختلف ألوانه وأشكاله.
لا جرم أن الأمة الكثيرة البساتين والمزارع، يعمها الرخاء، وتسعد فى حياتها الدنيوية.
وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر وقلّة النسل فقال له: استغفر الله، وشكا إليه ثالث جفاف بساتينه. فقال له:
استغفر الله، فقال له بعض القوم: أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال: ما قلت من نفسى شيئا، إنما اعتبرت قول الله عز وجل حكاية عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ» الآية.
وبعد أن أدّبهم الأدب الخلقي بطلبه منهم تهذيب نفوسهم واتباعهم مكارم الأخلاق، شرع يؤدبهم الأدب العلمي بدراسة علم التشريح، وعلم النفس، ودراسة أحوال العوالم العلوية والسفلية فقال:
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) أي مالكم لا تخافون عظمة الله وقد خلقكم على أطوار مختلفة، فكنتم نطفة فى الأرحام، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم كسا عظامكم لحما، ثم أنشأكم خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.

صفحة رقم 84

وقد ذكرت هذه الأطوار فى سور كثيرة كسورة آل عمران وسورة المؤمنين وغيرهما.
وبعد أن ذكر النظر فى الأنفس أتبعه بالنظر فى العالم العلوي والسفلى فقال:
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) أي ألم تروا كيف خلق السموات متطابقة بعضها فوق بعض، وجعل للقمر بروجا ومنازل وفاوت نوره، فجعله يزداد حينا حتى يتناهى، ثم يبتدئ ينقص حتى يستسر ليدل ذلك على مضىّ الشهور والأعوام، وجعل الشمس كالسراج يزيل ظلمة الليل.
ونحو الآية قوله: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ، ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ، يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ».
(وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أي والله أنبت أباكم آدم من الأرض كما قال:
«إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ».
وقد يكون المعنى- إنه أنبت كل البشر من الأرض، لأنه خلقهم من النطف وهى متوالدة من الأغذية المتوالدة من النبات المتوالد من الأرض.
وجعلهم نباتا لأنهم ينمون كما ينمو النبات ويلدون ويموتون، وأيديهم وأرجلهم كأفرع النبات: وعروقهم المتشعبة فى الجسم والتي يجرى فيها الدم وينتشر فى الأطراف، تشبه ما فى الشجر، وأحوالهم مختلفة كأحوال النبات، فمنه الحلو والمرّ والطيب والخبيث، واستعدادهم مختلف كاستعداد النبات، فلكل امرئ خاصة كما لكل نوع من النبات خاصة.
(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) أي ثم يعيدكم فى الأرض كما كنتم ترابا، ويخرجكم منها متى شاء أحياء كما كنتم بشرا.

صفحة رقم 85
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية