آيات من القرآن الكريم

قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻ

تعذيب الكفار العصاة
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٦ الى ١١]
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١)
الإعراب:
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ المراد بذنوبهم، ووحّد لوجهين:
أحدهما- أنه أضافه إلى جماعة، والإضافة إلى الجميع تغني عن جمع المضاف، كما أن الإضافة إلى التثنية تغني عن تثنية المضاف.
والثاني- أن (ذنب) مصدر، والمصدر يصلح للواحد والجمع.
فَسُحْقاً منصوب على المصدر، وجعل بدلا من الفعل، أو منصوب بتقدير فعل، تقديره: ألزمهم الله سحقا.
البلاغة:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ استفهام إنكاري للتقريع والتوبيخ زيادة لهم في العذاب.
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ مقابلة، قابلة بقوله بعدئذ: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ.
سَمِعُوا لَها شَهِيقاً استعارة مكنية، شبه شدة استعارها وحسيسها بصوت الحمار.
تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ استعارة مكنية، شبه جهنم في شدة غليانها ولهبها، بإنسان شديد الغيظ والحنق على عدوه مبالغة في إيصال الضرر إليه، وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الغيظ الشديد.

صفحة رقم 14

الْمَصِيرُ، نَذِيرٌ، كَبِيرٍ، السَّعِيرِ سجع مرصع لمراعاة رؤوس الآيات.
ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ إطناب بتكرار الجملة مرتين لزيادة التنبيه.
المفردات اللغوية:
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ من شياطين الإنس والجن. وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ساء المرجع هي.
أُلْقُوا فِيها طرحوا فيها. شَهِيقاً صوتا منكرا شديدا كصوت الحمار، والشهيق: تنفس يسبق الزفير، وهو هنا كتنفس المتغيظ. تَفُورُ تغلي بهم كغلي المرجل. تَمَيَّزُ أي تتميز بمعنى تتقطع وتتفرق غضبا عليهم. مِنَ الْغَيْظِ غضبا على الكفار، والغيظ: شدة الغضب، وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم. فَوْجٌ جماعة أي من الكفار. سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها سؤال توبيخ، والخزنة: الأعوان وهم مالك وأعوانه، جمع خازن. أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي رسول ينذركم عذاب الله، ويخوفكم منه، والاستفهام يراد به التوبيخ والتبكيت.
إِنْ أَنْتُمْ ما أنتم. إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ خطأ بعيد عن الصواب والحق. وهذا القول إما من الملائكة للكفار حين اعترفوا بالتكذيب، أو من كلام الكفار للنذر من الرسل. لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ سماع تفهم. أَوْ نَعْقِلُ عقل تفكر. ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ في عدادهم ومن جملتهم. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ أقروا بذنوبهم حين لا ينفعهم الاعتراف، والاعتراف: إقرار عن معرفة. فَسُحْقاً أي أسحقهم الله سحقا، أي أبعدهم الله من رحمته.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى ما أعد للشياطين من عذاب السعير في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا، عمم الوعيد، وأوضح أن هذا العذاب معدّ أيضا لكل كافر جاحد بربه، ثم ذكر أوصاف النار وأهوالها الشديدة.
التفسير والبيان:
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي وأعتدنا لكل الجاحدين بربهم، المكذبين رسله من الجن والإنس عذاب نار جهنم، وبئس المآل والمرجع وما يصيرون إليه، وهو جهنم.

صفحة رقم 15

ثم ذكر صفات النار الأربع وهي:
١، ٢- إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً، وَهِيَ تَفُورُ أي إذا طرح الكفار في نار جهنم، كما يطرح الحطب في النار العظيمة، سمعوا لها صوتا منكرا كصوت الحمير أول نهيقها، أو كصوت المتغيظ من شدة الغضب، وهي تغلي بهم غليان المرجل.
٣- تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ أي تكاد أو تقترب تتقطع، وينفصل بعضها من بعض، من شدة غضبها على الكفار، وحنقها بهم.
٤- كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي كلما طرح في جهنم جماعة من الكفار، سألهم أعوانها وزبانيتها سؤال تقريع وتوبيخ: أما جاءكم في الدنيا رسول نذير ينذركم هذا اليوم ويخوفكم ويحذركم منه؟
فيجيبهم الكفار بقولهم من ناحيتين:
١- قالُوا: بَلى، قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ، فَكَذَّبْنا وَقُلْنا: ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ أي أجاب الكفار قائلين: بلى جاءنا رسول من عند الله ربنا، فأنذرنا وخوّفنا، لكنا كذبنا ذلك النذير، وقلنا له: ما نزّل الله من شيء على لسانك، ولم يوح إليك بشيء من أمور الغيب وأخبار الآخرة والشرائع التي أمرنا الله بها.
وما أنتم أيها الرسل إلا في ذهاب عن الحق، وبعد عن الصواب. فهذا على الأظهر من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين.
ونظير الآية قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ، يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ، وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا؟ قالُوا: بَلى، وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ [الزمر ٣٩/ ٧١].

صفحة رقم 16

وهذا دليل على عدل الله في خلقه وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه، كما قال تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء ١٧/ ١٥].
٢- وَقالُوا: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ، ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ أي إننا نلوم أنفسنا ونندم على ما فعلنا، فلو كنا نسمع ما أنزل الله من الحق سماع من يعي، وسماع هداية، أو نعقل عقل من يميز وينظر وينتفع، وعقل هداية، ما كنا من أهل النار، وما كنا عليه من الكفر بالله والضلال، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم، والإيمان بما أنزل الله تعالى، والاستماع إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وقدم السمع على العقل والتفهم لأن المدعو إلى شيء يسمع كلام الداعية أولا ثم يتفكر فيه.
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ، فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ أي فأقروا معترفين بما صدر عنهم من ذنب استحقوا به عذاب النار، وهو الكفر وتكذيب الأنبياء، فبعدا لهم من الله ومن رحمته. وهذا بيان بالجريمة ثم العقاب.
أخرج الإمام أحمد عن أبي البحتري الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم»
وفي حديث آخر: «لا يدخل أحد النار إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة».
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- للكافرين الجاحدين وجود الله ووحدانيته، المكذبين رسله عذاب جهنم في الآخرة، وبئس المرجع والمنقلب. وظاهر الآية يقتضي القطع بأن الفاسق المصرّ لا يبقى في النار.

صفحة رقم 17

٢- للنار أوصاف أربعة مرعبة رهيبة: هي سماع شهيق أي صوت منكر لها، والفوران فهي تغلي بالكفار غليان المرجل، والغضب فهي تكاد تتقطع وينفصل بعضها من بعض من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى، وتعنيف الزبانية فكلما ألقي فيها جماعات منهم يسألهم خزنتها وهم مالك وأعوانه من الزبانية سؤال توبيخ وتقريع زيادة لهم في العذاب: ألم يأتكم رسول نذير في الدنيا ينذركم هذا اليوم حتى تحذروا؟! قال ابن عباس: الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف.
٣- يعترف الكفار بأنه قد جاءهم رسول أنذرهم وخوفهم، فكذبوه، وقالوا: ما أنتم يا معشر الرسل إلا في بعد عن الحق والصواب.
٤- وبعد أن اعترفوا بتكذيب الرسل، اعترفوا أيضا بجهلهم، وهم في النار، وقالوا: لو كنا نسمع من الرسل النذر سماع تدبر ووعي، وتعقل وفهم ما جاؤوا به، ما كنا من أهل النار.
قال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكّر، أو نعقل عقل من يميّز وينظر.
ودل هذا على أن الكافر لم يعط من العقل شيئا.
عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لقد ندم الفاجر يوم القيامة
، قالوا- أي الفجار-: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ، فقال الله تعالى: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ أي بتكذيبهم الرسل.
٥- يقال للكفار حينئذ: سحقا لكم، أي بعدا من رحمة الله، سواء اعترفوا أو جحدوا، فإن ذلك لا ينفعهم.

صفحة رقم 18
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية