آيات من القرآن الكريم

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

لمنفعة يجلب بها إلى نفسه، أو لمضرة يدفعها عن نفسه، وإنما أمرهم ونهاهم؛ لمنافع ترجع إليهم ومضار تلحقهم، ثم أضيف إليه الأمر والنهي وإن كان لا منفعة له ولا مضرة عليه؛ فكذلك ابتلى خلقه؛ ليظهر للمبتلى عداوته وولايته، لا لتظهر له، وأضاف الابتلاء إلى نفسه وإن كان هو مستغنيا عن الابتلاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
ففيه إبانة أنه لم يبتلنا لمنفعة أو لعز يرجع إليه، أو لذل يدفع عنه، ولكن لعز يحرزه الممتحن إذا أحسن العمل وذنوب تغفر له وتستر عليه، وهو عزيز بذاته.
وجائز أن يكون معنى قوله: (وَهُوَ الْعَزِيزُ)، أي: القوي على الانتقام ممن ساء عمله، واختار عداوته، (الْغَفُورُ): الستور على من حسن عمله، يستر عليه ذنبه، ويجزيه بحسن عمله، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣).
ففي ذكر السماوات السبع إيجاب القول بتصديق ما يأتي به الرسل؛ لأن كون السماوات سبعا لا يعرف إلا من طريق الخبر، وقد ثبت وجود هذا القول على ألسن الرسل وهذه الآية أثبتت تصديق ما يأتي به الرسل؛ فليس منا القول في السماوات أنها سبع وإن لم تشاهد.
ثم يحتمل قوله: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)؛ ليبلو أهلها: أيهم أحسن عملا؛ لأنه بين أنه لم يخلق السماوات والأرضين باطلا، ثم السماوات بأنفسها لا تمتحن، وإنما يمتحن أهلها، لكنه اقتضى ذكر السماوات ذكر أهلها، واقتضى ذكر الأرض ذكر أهلها، فأخبر بذكر الأرض عن ذكر أهلها، وبذكر السماوات عن ذكر أهلها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ).
أي: انظر في خلق الرحمن، هل ترى فيه من تفاوت أو فطور؟! فإنك إن رأيت فيه فطورًا، ظننت أن في مدبره عددًا، وإن رأيت فيه تفاوتا، ظننت في منشئه سفهًا، فإنك

صفحة رقم 105

إذا رأيت فيه فطورا وشقوقا رأيت فيه تمانعا وتدافعا، وفي حصول التمانع والتدافع حصول العدد؛ لأن التدافع والتمانع إنما يقع عند ثبات العدد؛ لأن ما يبني هذا يهدمه الآخر، وما يهدمه الآخر وينقضه يبني الآخر، فعند ذلك يقع التدافع، وإذا لم ير فيه فطورًا أو شقوقًا، بل رآه متسقا مجتمعا؛ دل على وحدانيته وقدرته وسلطانه.
وكذلك التفاوت يدل على السفه ونفي الحكمة، وارتفاع التفاوت يدل على حكمته وعجيب تدبيره؛ فيكون في ارتفاع الفطور والتفاوت إثبات القول بالوحدانية وإيجاب القول بالبعث من حيث ثبت حكمته، وفي نفي القول بالبعث زوال الحكمة، وفيه إيجاب المحنة والابتلاء؛ لأن العدد إذا ثبت، كان للممتحن ألا يعمل حتى يتبين له الغالب من المغلوب فلا يضيع عمله.
أو يشتغل كل بإقامة سلطانه ونفاذ تدبيره، فلا يتفرغ للأمر بالمحنة؛ ألا ترى إلى قوله: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ)، قيل: يذهب كل واحد منهم بالجزء الذي خلقه؛ فيظهر عند ذاك فطور وشقوق؛ لأن ما خلق هذا يمتاز من الذي خلقه الآخر، فارتفاع الفطور يدل على وحدانية الصانع جل جلاله.
وقيل في قوله: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) أي: من حيث الدلالة على وحدانية الرب - تعالى - أو من حيث الحكمة والمصلحة؛ فالخلائق كلها في المعاني التي ذكرناها غير متفاوتة، لا أن تكون الأشياء المحدثة غير متفاوتة في أنفسها؛ لأن بين السماوات والأرضين تفاوتًا، وكذلك بين الحياة والموت تفاوت، ولكن منافع السماء متصلة بمنافع الأرض، ومنافع أهل الأرض متصلة بالأرض وقوامهم ومعاشهم بما يخرج منها، وكل ذلك يدل على وحدانيته وعلى حكمته ولطائف تدبيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ).
فجائز أن يكون هذا على رجوع بصر الوجه.
وجائز أن يكون على رجوع بصر القلب.

صفحة رقم 106
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية