آيات من القرآن الكريم

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

و «فَعُول» من أسماء الفاعلين التي تستعمل للمبالغة في الوصف. تقول: رجل صبور، وشكور. ومن قرأ بالضم، فمعناه: ينصحون فيها نصوحاً، يقال: نصحت له نصحاً، ونصاحة، ونصوحاً. وقال غيره:
من ضم أراد: توبة نُصْحٍ لأنفسكم. وقال عمر بن الخطاب: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدِّث نفسه أنَّه لا يعود. وسئل الحسن البصري عن التوبة النصوح، فقال: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود. وقال ابن مسعود: التوبة النصوح تكفر كل سيئة، ثم قرأ هذه الآية.
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ قد بيَّنا معنى «الخزي» في آل عمران «١» وبيَّنا معنى قوله عزّ وجلّ: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ في الحديد «٢» يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وذلك إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يُطفأ سألوا الله تعالى أن يتمم لهم نورهم، ويبلِّغهم به الجنة. قال ابن عباس: ليس أحد من المسلمين إِلا يعطى نوراً يوم القيامة. فأما المنافق فيُطفَأ نورُه، والمؤمن مُشْفِق مما رأى من إطفاء نور المنافق، فهم يقولون: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا.
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٩ الى ١٢]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
قوله عزّ وجلّ: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ قد شرحناه في براءة «٣».
قوله عزّ وجلّ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ قال المفسرون منهم مقاتل: هذا المثل يتضمّن تخويف عائشة وحفصة أنهما إن أغضبتا ربّهما لم يغن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهما شيئاً. قال مقاتل:
اسم امرأة نوح «والهة» وامرأة لوط «واهلة».
قوله عزّ وجلّ: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ: نوحاً ولوطاً عليهما السلام فَخانَتاهُما.
(١٤٧٧٧) قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدِّين، كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف، فإذا نزل بلوط ضيفٌ بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت لتعلم قومه أنه قد نزل به ضيف. وقال السّدّيّ: كانت خيانتهما: كفرهما.

أخرجه الحاكم ٢/ ٤٩٦ والطبري ٣٤٤٦١ و ٣٤٤٦٢ و ٣٤٤٦٤ من طرق عن ابن عباس، وهو صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
__________
(١) آل عمران: ١٩٢.
(٢) الحديد: ١٢. [.....]
(٣) التوبة: ٧٣.

صفحة رقم 311

وقال الضحاك: نميمتهما، وقال ابن السائب: نفاقهما.
قوله عزّ وجلّ: فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أي: يدفعا عنهما من عذاب الله شيئاً. وهذه الآية تقطع طمع مَن ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره. ثم أخبر أن معصية الغير لا تضرّ المطيع بقوله: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ وهي آسية بنت مزاحم. وقال يحيى بن سلام:
ضرب الله المثل الأول يحذّر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما. ثم ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة. وكانت آسية قد آمنت بموسى. قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتاداً في يديها ورجليها، وكانوا إذا تفرَّقوا عنها أظلتها الملائكة، فقالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها، قوله: وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ فيه قولان: أحدهما:
أن عمله: جِمَاعُهُ. والثاني: أنه دينه رويا عن ابن عباس، قوله: وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني أهل دينه المشركين.
قوله عزّ وجلّ: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها قد ذكرنا فيه قولين في سورة الأنبياء «١» فمن قال: هو فرج ثوبها، قال «الهاء» في قوله تعالى: فَنَفَخْنا فِيهِ ترجع إليه، وذلك أن جبريل مَدَّ جيب درعها، فنفخ فيه، ومن قال: هو مخرج الولد، قال: «الهاء» كناية عن غير مذكور، لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها.
قوله عزّ وجلّ: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وفيه قولان: أحدهما: أنه قول جبريل إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
«٢». والثاني: الكلمات هي التي تضمنَّتها كتب الله المنزلة. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو مجلز، وعاصم الجحدري «بكلمةِ ربها» على التوحيد وَكُتُبِهِ قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم «وكتابِهِ» على التوحيد، وقرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع «وكُتُبه» جماعة، وهي التي أنزلت على الأنبياء، ومن قرأ «وكتابه» فهو اسم جنس على ما بيَّنَّا في خاتمة البقرة «٣» وقد بيّنّا فيها القنوت مشروحا «٤». ومعنى الآية وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ، ولذلك لم يقل: من القانتات.

(١) الأنبياء: ٩٢.
(٢) مريم: ١٩.
(٣) البقرة: ٢٨٥.
(٤) البقرة: ١١٦.

صفحة رقم 312
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية