آيات من القرآن الكريم

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬ

اذكروا يوم يجمعكم الحق- تبارك وتعالى- ليوم الجمع، يوم تجمع فيه الخلائق كلها، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، والثقلان أجمعون، ذلك يوم التغابن، وهو يوم القيامة سمى بذلك لأنه يوم يظهر فيه غبن كل كافر ترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان. ولا شك أن ذلك هو التغابن حقيقة الجدير بهذا الاسم «١».
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً... وكأن هاتين الآيتين بيان لمعنى التغابن:
ومن يؤمن بالله حقا ويعمل صالحا يكفر الله عنه سيئاته ويسترها عليه، ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار، خالدين فيها وذلك هو الفوز العظيم، والذين كفروا بالله ورسوله، وكذبوا بآياته- وخاصة القرآن الكريم- أولئك هم أصحاب النار خالدين فيها وبئس مصيرهم، فانظر إلى عاقبة المؤمنين. ونهاية الكافرين.
الحياة الدنيا في نظر المؤمنين [سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١١ الى ١٨]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)

(١) والتغابن تفاعل من الغبن، وهو أخذ الشيء من صاحبه بأقل من قيمته، وهو لا يكون إلا في عقد المعاوضة، ولا معاوضة في الآخرة فإطلاق التغابن على ما يكون يوم القيامة إنما هو بطريق الاستعارة، وذلك لأن كلا من المؤمن والكافر جعله الله قادرا على اختيار ما يؤدى إلى سعادة الآخرة فاختيار كل فريق ما يشتهيه مما كان قادرا عليه يدل ما اختاره الآخر فهذا الاختيار منهما مشبه بالمبادلة والتجارة، وشبه ما يتفرع عليه من نزول كل واحد منها منزلة الآخر بالتغابن ١ هـ من حاشية الجمل وزادة.

صفحة رقم 687

المفردات:
ْنَةٌ
والفتنة: بلاء ومحنة. مَا اسْتَطَعْتُمْ: جهد طاقتكم. شُحَّ نَفْسِهِ الشح: البخل والحرص الشديدان. تُقْرِضُوا المراد: تتصدقوا وتنفقوا.
سبب النزول:
روى أن الكفار قالوا: لو كان المسلمون مسلمين حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا.
فنزل قوله تعالى:

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ الآيات توضح حقيقة الدنيا، وما يصيب المسلم فيها من خير أو شر.
المعنى:
لقد سبق بيان نتيجة الإيمان ونهايته، ونتيجة الكفر وغايته من الفوز العظيم للمؤمنين في الآخرة والمصير السيئ للكافرين فيها.

صفحة رقم 688

أما الدنيا فأمرها سهل هين جدّا إذ هي ليست دار جزاء ولا مثوبة، ولكنها دار عمل وتعب، وقد تكون محل ابتلاء واختبار بنزول المصائب والمحن على بعض الناس.
ومن يؤمن بالله، ويعتقد هذا فإن الله هاديه إلى الحق والصواب من الصبر والثبات، والرجوع إلى الله، ولذلك يبيت هادئ النفس قرير العين مستريح القلب، والله بكل شيء عليم، وغير المؤمن إذا نزل به حادث أو ألمت به مصيبة ضجر وجزع، وأصابه الغم والكرب، وقضاء الله نافذ على الجميع.
وما علينا إلا أن نطيع الله ورسوله في كل أمر ونهى فهذا هو العلاج الناجع، والدواء الصادق، فإن تولى البعض وأعرض فإنما حسابه على ربه، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، فالله وحده هو الإله المقصود في كل شيء الذي له الملك وإليه يرجع الأمر كله فعليه وحده يتوكل المؤمنون...
أما الفهم الصحيح السليم للأزواج والأولاد، وللأهل والأموال فقد تكفلت الآيات: ١٤، ١٥. إلى آخر السورة بذلك فقد
روى أن عوف بن مالك الأشجعى كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه وقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق فيقيم فنزلت الآية..
وفي رواية أنها نزلت في رجال أسلموا بمكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتون النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما أتوا النبي ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
يا أيها الذين آمنوا إن بعض أزواجكم وأولادكم عدوّا لكم، حيث يفعلون معكم فعل العدو، ويكونون حجر عثرة أمامكم يمنعونكم من فعل الخيرات، وقد يدعونكم إلى ارتكاب الذنوب والآثام في سبيل راحتهم والحرص على سعادتهم، ألست معى في أن من يفعل معى فعل العدو، ويمنعني عن الخير الذي ينفعني، ويحملني على فعل المعاصي يكون عدّوا لي، ولو كان زوجا أو ابنا أو غيرهما؟ إذا كان الأمر كذلك فاحذروهم، وقوا أنفسكم من شرورهم وآثامهم إن كانت لهم.
ولكنهم من أهلك وذوى قرابتك فالمطلوب منك أن تحذر ما يوقعك في الشر فقط، ثم تعفو وتصفح وتغفر، فإنك إن تعف وتصفح وتغفر يعف عنك الله، إن الله غفور رحيم.

صفحة رقم 689

إنما أموالكم وأولادكم فتنة وبلاء، ومحنة واختبار قد يترتب عليهم الوقوع في الآثام والشدائد، وكثيرا ما رأينا المال والأولاد يدفعان صاحبهما إلى فعل المهلكات ويحملان بعض الناس على الغرور الكاذب، وارتكاب الآثام والفظائع كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى «١» والله عنده أجر عظيم، فانظروا إليه ودعوا المال والولد فإنه لن ينفعكم يوم الحساب.
فاتقوا الله ما استطعتم، وابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم، وليكن أحب شيء إلى النفس حب الله ورسوله، واسمعوا مواعظه وأوامره سماع قبول، وأطيعوا في كل ما أمر، وأنفقوا مما رزقكم يكن خيرا لكم وأفضل، ولا يكن الولد والأهل مدعاة للجبن والبخل، واعلموا أنه من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، إن تصرفوا «٢» بعض الأموال في سبيل الله وابتغاء رضوانه يثبكم على ذلك ثوابا جزيلا ويغفر لكم، والله شكور مجاز على الطاعات، حليم في العقاب على المعصية، وهو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم.

(١) سورة العلق الآيتان ٦ و ٧.
(٢) سماه الله قرضا من حيث التزام الله ثوابه فهو يشبه القرض من هذه الناحية فيكون استعارة.

صفحة رقم 690
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية