آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

الأمامى، وهكذا تراعى الأمم فى عصرنا الحاضر النظام فى كل أعمالها، فى أكلها ونومها ورياضتها وتربية أولادها، بحيث لا يطغى عمل على عمل، فللجدّ وقت لا يعدوه، وللرياضة وقت آخر، وللنوم كذلك، ولهذا لا يوجد تواكل ولا تراخ فى الأعمال، ولا تحاذل فيها، ومن ثم
جاء فى الأثر.
«أفضل الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ».
[سورة الصف (٦١) : الآيات ٥ الى ٦]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)
شرح المفردات
تؤذوننى: أي تخالفون أمرى بترك القتال، زاغوا: أي أصرّوا على الزيغ والانحراف عن الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، أزاغ الله قلوبهم: أي صرفها عن قبول الحق، الفاسقين: أي الخارجين عن الطاعة ومنهاج الصدق المصرّين على الغواية، وأحمد: من أسماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال حسان:

صلّى الإله ومن يحفّ بعرشه والطيّبون على المبارك أحمد
المعنى الجملي
بعد أن أنّب التاركين للقتال الهاربين منه بقوله: «لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ؟» ذكر هنا أن حالهم يشبه حال بنى إسرائيل مع موسى حين ندبهم إلى قتال الجبارين

صفحة رقم 82

بقوله: «يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» فلم يمتثلوا أمره وعصوه أشد العصيان، و «قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ» وقالوا: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» وأصروا على ذلك وآذوه أشدّ الإيذاء، فوبخهم على ذلك بما جاء فى الآية الكريمة، وقد صرفهم الله عن قبول الحق وألحق بهم الضيم والذل فى الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى.
ومثلهم أيضا فى عصيانهم مثل بنى إسرائيل حين قال لهم عيسى: إنى رسول الله:
وجاءهم بالبينات والمعجزات الدالة على صدقه وقال: إنى مبشر برسول سيأتى من بعدي يسمى أحمد، فعصوه وكذبوه ولم يمتثلوا أمره.
الإيضاح
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ؟) أي واذكر لقومك خبر عبده ورسوله موسى بن عمران كليم الله حين قال لقومه: لم تؤذوننى وتخالفون أمرى فتتركوا القتال وأنتم تعلمون صدقى فيما جئتكم به من رسالة ربى؟ وفى هذا تسلية لرسوله محمد ﷺ فيما أصابه من قومه الكافرين ومن غيرهم، وأمر له بالصبر، ولهذا
قال ﷺ «رحمة الله على موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر»
كما أن فيه نهيا للمؤمنين أن ينالوا من النبي ﷺ أو يوصلوا إليه أذى كما جاء فى قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً».
ثم بين عاقبة عصيانهم ومخالفة أمره بقوله:
(فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) أي فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، وأصرّوا على ذلك، صرف الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الحيرة والشك، جزاء

صفحة رقم 83

وفاقا لما دسّوا به أنفسهم من الذنوب والآثام، ومخالفة أوامر رسوله، وانهما كهم فى الطغيان والمعاصي، فران على قلوبهم، وطمس على أعينهم، فلم تنظر إلى ما تشاهد من دليل، ولا تبصر ما ترى من برهان كما قال: «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ».
ثم أكد إزاغته لقلوبهم وبيّن علتها بقوله:
(وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي والله لا يوفق لإصابة الحق من اختار الكفر ونبذ طاعة الله ورسوله، بما يرين على قلبه من الضلالة، فيحرمه النظر إلى الأدلة التي نصبت فى الكون، وجعلت منارا للعقول، وشفاء للصدر.
(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) أي واذكر لقومك ما قال عيسى ابن مريم لقومه: يا قوم إنى مرسل إليكم من الله، وإنى مصدق بالتوراة وبكتب الله وأنبيائه جميعا من تقدم منهم ومن تأخر.
(وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) أي وداعيا إلى التصديق بهذا الرسول الكريم الذي جاءت البشارة به فى التوراة. فقد جاء فى الفصل العشرين من السّفر الخامس منها: أقبل الله من سينا، وتجلى من ساعير، وظهر من جبال فاران، معه الربوات الأطهار عن يمينه. «سينا مهبط الوحى على موسى، وساعير مهبط الوحى على عيسى، وفاران جبال مكة مهبط الوحى على محمد صلى الله عليه وسلم».
وفيها فى الفصل الحادي عشر من هذا السفر: يا موسى إنى سأقيم لبنى إسرائيل نبيّا من إخوتهم مثلك، أجعل كلامى فى فيه، ويقول لهم ما آمره به، والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي، أنا أنتقم منه ومن سبطه.

صفحة رقم 84
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية