
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم﴾ فِيهِ رُجُوع إِلَى قصَّة حَاطِب بن أبي بلتعة، وتأكيد النَّهْي عَن مُوالَاة الْكفَّار. وَقيل: إِن الْآيَة عَامَّة.
وَقَوله: ﴿قوما غضب الله عَلَيْهِم﴾ قيل: هم المُنَافِقُونَ. وَقيل: هم الْيَهُود، وعَلى

﴿عَلَيْهِم قد يئسوا من الْآخِرَة كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور (١٣).﴾ القَوْل الأول هم الْمُشْركُونَ.
وَقَوله: ﴿قد يئسوا من الْآخِرَة﴾ أَي: يئسوا من الْبَعْث بعد الْمَوْت، وَهَذَا فِي الْمُشْركين ظَاهر؛ لأَنهم كَانُوا يُنكرُونَ الْبَعْث، وَقد أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم أَنهم قَالُوا: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر﴾ وَكَذَلِكَ فِي الْمُنَافِقين ظَاهر. وَأما إِذا حملنَا على الْيَهُود، فَالْمُرَاد من الْآيَة هم الْيَهُود الَّذين كَانُوا يعْرفُونَ النَّبِي، ويعلمون أَنه نَبِي الله، وَيُنْكِرُونَ نبوته حسدا وبغيا. وَمعنى إياسهم من الْآخِرَة هُوَ الْيَأْس من الثَّوَاب؛ لأَنهم إِذا عرفُوا الْحق [وأنكروه] متعنتين عرفُوا حَقِيقَة أَنهم فِي النَّار فِي الْآخِرَة. وَقيل: إِن الْمَعْنى على هَذَا القَوْل هُوَ أَن الْيَهُود كَانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي الْجنَّة أكل وَلَا شرب وَلَا استمتاع، فَمَعْنَى الْيَأْس هُوَ يأسهم عَن هَذِه النعم لمَكَان اعْتِقَادهم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور عَن إصابتهم الثَّوَاب، ووصولهم إِلَى الْجنَّة؛ لأَنهم عاينوا الْأَمر، وَعرفُوا أَنهم أهل النَّار قطعا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور أَنهم لَا يعودون إِلَيْهِم، فعلى القَوْل الأول المُرَاد من الْكفَّار هم الْكفَّار الَّذين مَاتُوا، وعَلى القَوْل الثَّانِي المُرَاد من الْكفَّار هم الْأَحْيَاء مِنْهُم. وَالله أعلم.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿سبح لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم (١) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣) إِن الله﴾تَفْسِير سُورَة الصَّفّ
وَهِي مَدَنِيَّة صفحة رقم 424