
خصائص رسالات الأنبياء عليهم السّلام
إن النّبوات قديمة في البشرية، وهي لخير الإنسان وإسعاده، وقد اتّصل أولهم بآخرهم في دعوة واحدة هي الدعوة إلى توحيد الله وترك الشّرك والوثنية، والأمر بمكارم الأخلاق، وتنظيم الحياة الإنسانية على نحو من المودّة والمحبّة والألفة والتعاون، وجمع الكلمة وتوحيد الصّف، والتّرفع عن الخلافات والمنازعات. وكان أغلب الأنبياء من ذرّيّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، لذا لقّب بأنه (أبو الأنبياء)، وكان الفضل في الحفاظ على النوع الإنساني والحيواني لسيدنا نوح عليه السّلام، فلقّب بأنه (أبو البشر الثاني).
قال الله تعالى مبيّنا مهام مجموعة من الأنبياء:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨٤ الى ٩٠]
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠)
«١» «٢» «٣» [الأنعام: ٦/ ٨٤- ٩٠].
أكرم الله نبيّه إبراهيم عليه السّلام، فوهب له ولدين صالحين إسحاق ويعقوب، وجعلهما من الأنبياء، وهداهما كما هدى إبراهيم أباهما بالنّبوة والحكمة والفطنة إلى الحجة الدامغة.
(٢) بطل وسقط.
(٣) الفصل بين الناس بالحق.

وإبراهيم من سلالة نوح، وكما هداه الله إلى الحق، هدى جدّه نوحا قبله، فآتاه النّبوة والحكمة، وهي من أعظم النّعم، فإبراهيم سليل نبي، وأولاده أنبياء، فجعل من ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، فهي ذرّية طيّبة، وشجرة مباركة الأصول والفروع. وهؤلاء جمعوا بين النّبوة والملك والحكم.
وأما لوط فهو ليس من ذرّية إبراهيم عليه السّلام، بل هو ابن أخيه، ويمكن نسبته لإبراهيم على رأي من يرى الخال أبا، فدخل في ذرّية إبراهيم تغليبا.
وقوله سبحانه: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وعد من الله عزّ وجلّ لمن أحسن في عمله، وترغيب في الإحسان.
وهدى الله إلى النّبوة والحكمة جماعة آخرين من ذرّية إبراهيم وهم زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وكل منهم من الصالحين قولا وعملا، وهؤلاء جمعوا بين نعمة الدنيا والرّياسة، وبين هداية الدّين وإرشاد الناس.
وهدى الله أيضا من ذرّية إبراهيم إسماعيل ابنه الصّلبي الذّبيح، وجد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، واليسع وهو يوشع بن نون، ويونس بن متى، ولوطا، وكل واحد من هؤلاء فضّله الله على العالمين في عصره، فكل واحد أفضل من قومه.
ذكرت الآيات السابقة ثمانية عشر نبيّا، وجعلتهم متميزين بصفات معينة كما ذكرت.
ثم ذكر الله تعالى فضله على هؤلاء الأنبياء في أنه هدى بعض آبائهم وذرّياتهم وإخوانهم إلى الحق والخير، لا كلهم، واصطفاهم الله واختارهم وخصّصهم بمزايا كثيرة، وهداهم إلى الصراط المستقيم: وهو الدين الحقّ القويم.
ذلك الهدى هو هدى الله الخالص وتوفيقه دون هداية من عداه، والهداية نوعان:
هداية محضة لا تنال إلا من الله وهي النّبوة، وهداية تنال بالسّعي والكسب أو الاختيار مع التوفيق الإلهي لنيل المراد.

ولو أشرك هؤلاء المهتدون بربّهم، مع فضلهم وارتفاع درجاتهم، لبطل أجر عملهم كغيرهم في إحباط أعمالهم، أي تلفها وذهابها لسوء غلب عليها. وهذا غاية العدل وإحقاق الحقّ في محاربة الشّرك والمشركين.
أولئك المذكورون من الأنبياء السابقين، رسالتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وقد آتاهم الله الكتب السماوية وهي الصّحف والتوراة والإنجيل والزّبور، وأعطاهم الله الحكم أي الحكمة وهي الفطنة والفقه في دين الله والعلم النافع، ومنحهم ربّهم النّبوة: وهي إنزال الوحي عليهم لتبليغ أمر الله ودينه، فإن يكفر بالكتاب والحكم والنّبوة هؤلاء المشركون من أهل مكة، فقد وكّل الله برعايتها والإيمان بها قوما كراما ليسوا بها بكافرين، آمنوا بها وعملوا بأحكامها ودعوا الناس إليها.
أولئك الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين هم الذين هداهم الله، فاقتد بهم، أيها النّبي الرّسول واتّبع آثارهم في القول والفعل والسّيرة، وأمر الرسول باتّباع الأنبياء أمر لأمّته، وقل أيها النّبي لمن أرسلناك إليهم: لا أطلب على تبليغ القرآن أجرا من مال ولا غيره من المنافع الخاصة، وما هذا القرآن إلا تذكير وموعظة للعالمين من الإنس والجنّ، وإرشاد وهدى للمتّقين.
إثبات ظاهرة الوحي للأنبياء
ظاهرة الوحي للأنبياء والرّسل على ممرّ التاريخ حقيقة واضحة ملموسة، كان يشاهدها الأصحاب والأتباع أمام أعينهم، ويسهل التصديق بوجود الوحي على كل من عرف قدرة الله على إيجاد الأشياء وخلقها، فليس الوحي مجرد أوهام، أو تقمّصات روحانية، أو وساوس شيطانية لأن هذه الأحوال لا ثبات لها، ولا تنتج