آيات من القرآن الكريم

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

(وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا... (٨١)
* * *
الاستفهام هنا للتعجب من المفارقة التي كانت منهم، وهي مفارقة عجيبة يخوفون إبراهيم من أن تصيبه آلهتهم بسوء، ومع ذلك لَا يخافون هم من إشراكهم بالله ما لم ينزل به سلطانا، والعجب من ناحيتين: أولاهما - أن أصنامهم لَا تملك نفعا ولا ضرا، والله تعالى يملك كل شيء يملك النفع والضر، والإنقاذ من أسباب الضرر.
وثانيتهما - أنهم يخوفون إبراهيم - عليه السلام - ولا سبب للتخويف ولا يخافون، وقد توافر سبب الخوف، وقوله تعالى: (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا) قالوا: السلطان هو الحجة، وقد ورد السلطان بمعنى الحجة في آيات من القرآن الكريم، قال تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ...).

صفحة رقم 2568

و (مَا) دالة على الأصنام التي صنعوها، و (مِن سُلْطَان) لاستغراق النفي، أي ما لم ينزل به سلطانا أي سلطان كان، والتعبير عن الحجة هنا بالسلطان، إشارة أولا إلى أنه لَا دليل يسوغ عبادتها، وثانيا أنها: لَا قوة لها، ولا سلطان لها، حتى تصيب بسوء أو بنعمة، إنما هي أوهامكم التي جعلت لها تلك الصفة.
وقد رتب الله تعالى على هذه الحال أن قال تعالى: (فَأيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). الفاء هنا فاء الإفصاح الذي يفصح عن هذا الشرط المقدر، أي إذا كنتم تلجأون إلى من لَا يضر ولا ينفع، وتحسبون أنه يمس من لا يعتقد به، وإبراهيم يلجأ إلى الله تعالى الذي يملك كل شيء، فأي الفريقين أحق بأن يكون في أمن لَا خوف أهو الذي يلجأ إلى الله القادر على كل شيء أم الذي يلجأ في عبادته إلى أصنام لَا تضر ولا تنفع؛ وعلق سبحانه وتعالى الحكم على العلم؛ لأنه لَا حكم من غير علم؛ ولذا قال سبحانه وتعالى: إِن كنتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم تدركون الأمور على وجهها، ولا تسيطر عليكم الأوهام التي تضل ولا تهدي، وقال في أداة التعليق التي تفيد الشك في العلم، لَا اليقين فيه، وإنه لا ريب الحكم واضح بين، وهم الذين يعبدون الله وحده، ولا يلجأون إلا إليه في خوفهم.
ولذا قال تعالى في بيان الفريق الآمن:
* * *

صفحة رقم 2569
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية