آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

وَمَا مِلَّتُهُ إِلَّا عَيْنُ مِلَّتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَهُوَ " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " فَكَيْفَ يَعْبُدُ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ الَّتِي تَأْفُلُ وَتُحْجَبُ عَنْ عَابِدِيهَا، وَيَخْفَى حَالُهُمْ عَلَيْهَا؟ !.
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ النُّظَّارِ وَعُلَمَاءِ الْكَلَامِ الْأُفُولَ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَجَعَلُوا هَذَا هُوَ الْمُنَافِي لِلرُّبُوبِيَّةِ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحُدُوثِ أَوِ الْإِمْكَانِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِمَا قَدْ يُبَايِنُهُ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتِ الْأُفُولَ فِي غُرُوبِ الْقَمَرَيْنِ وَالنُّجُومِ، وَفِي اسْتِقْرَارِ الْحَمْلِ، وَكَذَا اللَّقَاحُ فِي الرَّحِمِ، فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهَا مِنَ الْأَوَّلِ عَيْنُ مُرَادِهَا مِنَ الثَّانِي، وَهُوَ الْغُيُوبُ وَالْخَفَاءُ. وَقَدْ يَتَحَوَّلُ الشَّيْءُ وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْتَجِبٍ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّغَيُّرِ لِيَجْعَلُوهُ عِلَّةَ الْحُدُوثِ الْمُنَافِي لِلرُّبُوبِيَّةِ أَيْضًا، وَهُوَ غَلَطٌ كَسَابِقِهِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ لَا تَتَغَيَّرُ بِأُفُولِهَا، وَمَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْفَلَكِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّ أُفُولَهَا إِنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ حَرَكَةِ الْأَرْضِ لَا بِحَرَكَتِهَا هِيَ، وَأَنَّ حَرَكَتَهَا عَلَى مَحَاوِرِهَا وَحَرَكَةَ السَّيَّارَاتِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ لَيْسَ مِنْ سَبَبِ أُفُولِهَا الْمُشَاهَدِ فِي شَيْءٍ، وَفِي الْكَلَامِ تَعْرِيضٌ لِطَيْفٌ بِجَهْلِ قَوْمِهِ فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ بِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَا يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ، وَلَا يَدْرِي شَيْئًا مِنْ أَمْرِ عِبَادَتِهِمْ، وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَبِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ: (لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (١٩: ٤٢) وَلَا يَظْهَرُ هَذَا التَّعْرِيضُ عَلَى قَوْلِ النُّظَّارِ فِي تَفْسِيرِ الْأُفُولِ ; فَإِنَّ قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُونُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النَّظَرِيَّاتِ الْكَلَامِيَّةِ، بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَفْلَاكَ قَائِلِينَ بِرُبُوبِيَّتِهَا، وَبِقِدَمِهَا مَعَ حَرَكَتِهَا، وَمَا زَالَ الْفَلَاسِفَةُ وَالْفَلَكِيُّونَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْحَرَكَةِ وَأَزَلِيَّتِهَا، وَعُلَمَاءُ الْكَوْنِ فِي هَذَا الْعَصْرِ يَعُدُّونَ الْحَرَكَةَ مَبْدَأَ وُجُودِ كُلَّ شَيْءٍ. وَأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِلْوُجُودِ الْمُطْلَقِ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ.
وَقَدْ كَانَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أُولَئِكَ النُّظَّارِ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ مَا يَأْتِي فِي الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ: (فَإِنْ قُلْتَ) : لِمَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِالْأُفُولِ دُونَ الْبُزُوغِ وَكَلَاهُمَا انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ؟
(قُلْتُ) : الِاحْتِجَاجُ بِالْأُفُولِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مَعَ خَفَاءٍ وَاحْتِجَابٍ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّهُ مِنْ عُيُونِ نُكَتِهِ وَوُجُوهِ حَسَنَاتِهِ. انْتَهَى. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ تَعْرِيضًا خَفِيًّا، لَا بُرْهَانًا نَظَرِيًّا جَلِيًّا، وَأَنَّ وَجْهَ مُنَافَاةِ الرُّبُوبِيَّةِ فِيهِ هُوَ الْخَفَاءُ وَالِاحْتِجَابُ وَالتَّعَدُّدُ، وَأَنَّ الْبُزُوغَ وَالظُّهُورَ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ مِمَّا يُنَافِي الرُّبُوبِيَّةَ، بَلْ بُنِيَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِهَا، فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظُهُورًا كَظُهُورِ غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ آنِفًا.
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي) أَيْ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ طَالِعًا مِنْ وَرَاءِ الْأُفُقِ أَوَّلَ طُلُوعِهِ قَالَ: هَذَا رَبِّي - عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ لِمَا كَانُوا يَقُولُونَ تَمْهِيدًا لِإِبْطَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ هَذَا الْحَرْفَ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ النَّيِّرَاتِ وَأَوَّلِ طُلُوعِ النَّابِ. وَفِي بَزْغِ الْبَيْطَارِ وَالْحَاجِمِ لِلْجِلْدِ، وَهُوَ تَشْرِيطُهُ بِالْمِبْزَغِ ; وَلِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ مَعْنَى الْبَزْغِ الشَّقُّ،

صفحة رقم 466

فَالنَّيِّرَاتُ تَشُقُّ الظَّلَامَ بِطُلُوعِهَا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ تَشْبِيهًا بِشَقِّ النَّابِ وَالسِّنِّ لِلَّثَةِ، وَشَقِّ الْبَيْطَارِ وَالْحَجَّامِ لِلْجِلْدِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى الْكَوْكَبَ فِي لَيْلَةٍ، وَرَأَى الْقَمَرَ فِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ لَهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَاصِلَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَأُخْرَى إِلَّا النَّهَارَ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُظْهِرٍ لِلْكَوَاكِبِ وَالْقَمَرِ؛ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ فَاصِلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى الْكَوْكَبَ وَالْقَمَرَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ هِيَ الَّتِي رَأَى الشَّمْسَ فِي أَوَّلِ نَهَارِهَا - وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَأَى الْكَوْكَبَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ هَاوِيًا لِلْغُرُوبِ، وَبَعْدَ أُفُولِهِ بِقَلِيلٍ بَزَغَ الْقَمَرُ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، وَأَنَّهُ سَهِرَ مَعَ بَعْضِ قَوْمِهِ اللَّيْلَ كُلَّهُ حَتَّى أَفَلَ الْقَمَرُ فِي آخِرِهِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ النَّاسُ هَذَا، وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيَالِي الْبِيضِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَرَضٌ دِينِيٌّ أَوْ عِلْمِيٌّ مِنْهُ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي الْقَلِيلَةِ مِنَ السَّنَةِ كَاللَّيْلَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ سَنَتِنَا هَذِهِ (سَنَةُ ١٣٣٦ هـ) فَإِنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِيهَا عَنْ أُفُقِ مِصْرَ السَّاعَةَ ٦ وَالدَّقِيقَةَ ٢٨ وَيَطْلُعُ الْقَمَرُ بَعْدَ غُرُوبِهَا بِعِشْرِينَ دَقِيقَةً، وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرَى بَعْضَ السَّيَّارَاتِ أَوْ نَحْوِهَا مِنَ النُّجُومِ الْمُشْرِقَةِ الْمُمْتَازَةِ - كَالشِّعْرَى - هَاوِيًا لِلْغُرُوبِ، وَيَغْرُبُ بَعْدَهَا بِرُبْعِ سَاعَةٍ، وَيَغْرُبُ الْقَمَرُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ بِدَقِيقَتَيْنِ مِنْ صَبِيحَتِهَا، وَتُشْرِقُ الشَّمْسُ بَعْدَ غُرُوبِهِ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ دَقِيقَةً، وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ جَنُّ اللَّيْلِ، وَهُوَ إِظْلَامُهُ. وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُ وُقُوعِ مَا ذُكِرَ
فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْقَمَرُ بَدْرٌ وَالشَّمْسُ فِي الدَّرَجَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ بُرْجِ الثَّوْرِ، إِذَا تَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصْفُ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ بِالْبُزُوغِ إِلَّا فِي أَوَّلِ طُلُوعِهِمَا مِنْ وَرَاءِ أُفُقِ الْقُطْرِ كُلِّهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بِالْوَصْفِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: رَأَيْتُ الْقَمَرَ بَازِغًا وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِهِ بِسَاعَاتٍ، كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُ نَابَ الْبَعِيرِ بَازِغًا بَعْدَ طُلُوعِهِ بِأَيَّامٍ. ثُمَّ إِنَّ الْبُزُوغَ وَالْغُرُوبَ مِنْهُمَا مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ عُرْفًا وَمَا هُوَ نِسْبِيٌّ، فَمَنْ كَانَ فِي مَكَانٍ مُطَمْئِنٍ أَوْ مُحَاطٍ بِالْبُنْيَانِ وَالشَّجَرِ، يَبْزُغُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ وَالشَّمْسُ بَعْدَ بُزُوغِهِمَا فِي أُفُقِ قُطْرِهِ، وَيَغْرُبَانِ عَنْهُ قَبْلَ غُرُوبِهِمَا عَنْ ذَلِكَ الْأُفُقِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَكَانٍ يَحْجُبُ مَشْرِقَهُ مَا ذُكِرَ دُونَ مَغْرِبِهِ وَبِالْعَكْسِ - فَيَخْتَلِفُ الْبُزُوغُ وَالْغُرُوبُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ. وَبِهَذَا يَتَّسِعُ مَجَالُ احْتِمَالِ وُقُوعِ مَا ذُكِرَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَبِيحَتِهَا بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ. وَالْكَلَامُ فِي الْآيَاتِ مُرَتَّبٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْكَوْكَبِ رُؤْيَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِحَالٍ وَلَا وَصْفٍ، وَعَلَى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ بَازِغَيْنِ لَا عَلَى بُزُوغِهَا، فَالْأَوَّلُ يَصْدُقُ بِرُؤْيَتِهِ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ فِي أَوَّلِ جُنُونِ اللَّيْلِ، وَالْآخَرَانِ يُصَدَّقَانِ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَالِ الْبُزُوغِ النِّسْبِيِّ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ الدِّقَّةِ فِي تَعْبِيرِ التَّنْزِيلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ رُؤْيَةَ مَا ذُكِرَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَبِيحَتِهَا، وَمَنْ فَرَضَ لِذَلِكَ وُجُودَ حَالٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْخَالِي مِنَ الْجِبَالِ.
(فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) أَيْ: فَلَمَّا أَفَلَ الْقَمَرُ كَالْكَوْكَبِ،

صفحة رقم 467
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية